أحد الأصدقاء في تعليقه على مقالة الأسبوع الماضي «أدوارد سعيد من موقع النقد الغربي»، فتح الباب على مقارنات تتعلق بمشاريع فكرية توازي مشروع أدوارد سعيد بل تراها من وجهة نظرها أعمق لأنها ركزت في رؤيتها النقدية على طبيعة العقلانية الأداتية للحداثة الغربية ويعطي مشروع وأئل حلاق مثالا على ذلك.
قد تبدو المقارنات مشروعة إذا ما وضعنا هذه المشاريع في سياق نقد ما بعد الحداثة وذلك في سعيها لتفكيك المركزية الغربية في تموضعها حول ذاتها الأوروبية معرفيا واجتماعيا وثقافيا وأخلاقيا، ففي هذا السياق برزت نظريات متعددة وفي حقول معرفية مختلفة بدءاً من مدرسة فرانكفورت النقدية ومرورا بفلاسفة الاختلاف وليس انتهاءً عند أدب ما بعد الاستعمار.
لكن بالعودة إلى ملاحظة الصديق أقول: وائل حلاق لم ينظر الاستشراق من زاوية نظر أدوارد سعيد، خصوصا في كتابه الأساس الشريعة وتاليا كتابه الدولة المستحيلة، بل نظر إليه ضمن ثنائية الحداثة الغربية والإسلام من موقع الباحث المستقل البعيد عن الخضوع والاستسلام للفكر الغربي، وهو بذلك يسعى إلى إعادة التفكير في مفاهيم الحداثة التي أصبحت كونية كالليبرالية ومفهوم العدالة والحرية والشريعة والقانون الوضعي انطلاقا من إمكانية العودة إلى النصوص التراثية في الإسلام ، فالنص التشريعي على سبيل المثال ينطوي على أمكانيات صياغة مفاهيمية للعقلانية التي ترتبط بعقلانية الدولة . وبحكم تخصصه في الشريعة وأصول الفقه فهو يضعنا مباشرة أمام إشكالية تلقي مفاهيم الحداثة من منظور الاجتهاد في نصوص الشريعة، وهو يذكرني بالفيلسوف المغربي عبد الرحمن طه الذي كانت إنطلاقته من المنطق وفقه اللغة للتأسيس لمفاهيم حداثية مشتقة من الفكر والتراث الإسلامي. لكن اشتغالات سعيد كان تأثيرها أوسع على الفكر الغربي لأنه بكل بساطة وضع الأدب الغربي في تحالف تام مع فكره الاستشراقي لإبراز الصورة التبخيسية للإنسان العربي المسلم. والأهم أن أدواته المنهجية جميعها مستمدة من الفكر الغربي نفسه.
من وجهة نظري اشتغالات وائل حلاق تحقق نوعا من الاستقلالية عن الفكر الغربي إلا أن المشكلة لا ترتبط بمفهوم الاستقلالية الذي انشغل به الكثير من الباحثين منذ خمسينات القرن الماضي مثل فلسفة عبدالكبير الخطيبي وغيره. لكن المشكلة أن مصطلح الإسلام نفسه لم يستنفذ تاريخه انثروبولوجيا، وكما قال هودجسون رائد دراسة التاريخ الإسلامي كتاريخ للعالم «ينفرد الإسلام عن بقية الديانات بتنوع أعراق وأجناس المنتمين إليه»، وهذا معناه صعوبة الوقوف على مفاهيم نهائية يمكن من خلالها أن نطرح قيم تمثل الحصيلة النهائية للإسلام التاريخي والإسلام العقائدي.
ودعوني أختم مقالي بهذه القصة التي يرويها الباحث الباكستاني شهاب أحمد في مستهل كتابه المهم ( ما الأسلام ) والتي لها مغزى عميق في أزمة فهم الإسلام رغم المشاريع الضخمة التي تناولت تراثه وتخصصت فيه من العمق. يقول «حضرت منذ عدة أعوام مأدبة عشاء في جامعة برينستون؛ حيث شهدت حوارا كاشفا بين فيلسوف أوروبي بارز ، وباحث مسلم يجلس إلى جواره . كان الزميل المسلم يشرب من كأس نبيذ ، ومن الواضح أن الفيلسوف اندهش مما رآه، ولم يسعه في نهاية المطاف، إلا أن يستأذن جاره الجالس جواره في أن يطرح عليه سؤالاً شخصيا جريئا ، وهكذا دار الحوار بينهما:
هل تعتبر نفسك مسلما ؟
أجل
لماذا تشرب النبيذ إذا ؟
ابتسم الزميل المسلم ابتسامة ودودة، ثم قال:
أنا من عائلة مسلمة منذ ألف عام، وهي لم تتوقف عن تناول النبيذ طيلة تلك القرون.
بدا الضيق على قسمات وجه أستاذ المنطق الشاحبة، الأمر الذي استدعى من زميلي مزيدا من التوضيح:
كما ترى نحن مسلمون ونشرب النبيذ
استمرّت حيرة وتساؤل صاحبنا
ولكني لا أفهم
حقا ولكني لا أفهم !!.
ما رواه الباحث هو نموذج واحد من صور متعددة لحالات تاريخية اجتماعية ثقافية لم توضع موضع المساءلة والنقد تحت إطار الإسلام.
mohmed_z@hotmail.com
إلى متى تبقى الشاحنات سيدة الطريق؟
في كل مرة أقود فيها من الدمام إلى الرياض والعكس، يتكرر المشهد ذاته: طريق طويل تكاد لا ترى نهايته، تتزاحم عليه الشاحنات الثقيلة كأنها صُممت لتكون المهيمنة الوحيدة عليه. تفرض هذه القاطرات البرية ثقلها على الأسفلت والمشهد والحركة، ولا تترك لمركبات الركاب ولا للسائقين متسعًا من الطمأنينة أو الأمان. المسارات الضيقة تصبح أكثر ضيقًا، والحوادث أكثر احتمالًا، والسفر أكثر إجهادًا، وكأن السائق العادي بات ضيفًا غير مرحّب به على طريق خُصّص لصناعة النقل.
هذا الزخم المروري ليس مجرّد ازدحام، بل نتيجة تراكمية لغياب توزيع لأدوار النقل بين البر والسكك. التريلات تُستخدم في كل شيء تقريبًا، من نقل البضائع الخفيفة إلى الثقيلة، من أقصر المسافات إلى أبعدها، دون أن تؤخذ بعين الاعتبار تبعات هذا الخيار على الطرق، وعلى الناس، وعلى البيئة.
تأثير الشاحنات الثقيلة على البنية التحتية هائل، بل مرهق. فحسب دراسات من إدارة الطرق الفيدرالية الأمريكية، مرور شاحنة واحدة فقط يعادل من حيث التأثير على الطريق مرور 5,000 إلى 10,000 مركبة صغيرة. هذا الفارق الضخم في الحمل والتأثير يجعل الطرق بحاجة دائمة لإعادة تأهيل وترميم، في وقت تزداد فيه الكلفة، ويقل العمر الافتراضي للطريق، وترتفع معدلات الحوادث بسبب الحفر والتصدعات والانحناءات الناتجة عن الأحمال الزائدة.
المسألة لا تتوقف عند البنية التحتية، بل تشمل أيضًا الأثر الاقتصادي والبيئي. تكلفة صيانة الطرق السريعة في المملكة تُقدّر بمليارات الريالات سنويًا، جزء كبير منها يُستهلك بسبب التآكل الناتج عن مرور الشاحنات الثقيلة. كما أن الاعتماد الكلي على الشحن البري يزيد من استهلاك الوقود، ويضاعف من انبعاثات الكربون والتلوث البيئي، في وقت تتبنى فيه المملكة أهدافًا طموحة نحو الحياد الصفري وخفض البصمة الكربونية.
في المقابل، هناك نموذج عالمي بديل أثبت فعاليته: قطارات البضائع. العديد من الدول، مثل ألمانيا، والولايات المتحدة، طورت خطوط سكك حديدية مخصصة لنقل البضائع لمسافات طويلة، ووجدت فيها حلاً ناجعًا لتخفيف الضغط على الطرق، وتسريع سلاسل الإمداد، وتقليل الانبعاثات، وخفض التكاليف التشغيلية.
تصوّري لو تم تنفيذ خط قطار بضائع بين الدمام والرياض، يمتد عبر الصحراء، ويتصل مباشرة بالموانئ والمستودعات، ويعمل بشكل متواصل على مدار الساعة.. حينها ستصل الحمولات الثقيلة بسرعة، وسينخفض عدد الشاحنات في الطرق، وسينتعش النقل المحلي الخفيف لتوزيع البضائع، وستتاح للطرق فرصة للراحة والترميم، وسيشعر السائقون، للمرة الأولى منذ سنوات، بأنهم يقودون بأمان واستقرار.
بل أكثر من ذلك، فإن تقليل عدد التريلات على الطرق سيتيح استخدام تقنيات حديثة لتنظيم السرعات عبر لوحات إلكترونية ديناميكية تستجيب للزحام والظروف الجوية، وتسمح برفع السرعة في المسارات الخالية، بدل البقاء أسرى لوحات جامدة تُربك السائق وتزيد من الخطر.
أنا لا أطالب بإلغاء الشاحنات، بل بإعادة توزيع لأدوار النقل. التريلات تبقى مهمة في التوزيع المحلي والتوصيل النهائي، لكن لا يجب أن تكون العمود الفقري الوحيد لنقل البضائع بين المدن. المملكة تسير في طريق التحول اللوجستي الذكي، وهذه فرصة لترجمة الرؤية إلى واقع يراه الناس في حياتهم اليومية، لا فقط في المخططات الاستراتيجية.
dr0lamia@gmail.com
النقل الجوي.. رافعة اقتصادية تعزز الطموحات
في ظل التحولات الكبرى التي تشهدها المملكة ضمن رؤية 2030، برز النقل الجوي كأحد المحركات الفاعلة لتعزيز الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر الدخل.
يُعد توسّع شبكة الرحلات سواءً كانت محلية أو دولية بربط المملكة ومدنها بالأسواق الإقليمية والدولية، عاملاً مهما لتنشيط السياحة الداخلية وزيادة حجم الإنفاق المحلي. كما أن الربط الجوي المباشر اختصر الزمن والتكلفة على المستثمرين، وأصبح أداة جذب حقيقية للفعاليات والمؤتمرات والمعارض العالمية.
وتشير التقديرات إلى أن قطاع الطيران يمكن أن يساهم بما يفوق 280 مليار ريال في الناتج المحلي بحلول عام 2030، مع توفير مئات الآلاف من فرص العمل. ويأتي اطلاق شركات طيران جديدة وبطموح عالمي، إضافة لتطوير المطارات لتكون محاور نقل إقليمية ليؤكد لنا أن المملكة ماضية نحو بناء اقتصاد يرتكز على الحركة والانفتاح الإقتصادي في كافة قطاعاته. ولقد شهدت المنطقة الشرقية حدثا هاماً مطلع هذا الأسبوع، حين رعى صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز أمير المنطقة الشرقية، حفل تدشين الهوية الجديدة والمخطط العام لمطار الملك فهد الدولي، إلى جانب المخطط العام لمطار الأحساء الدولي ومطار القيصومة الدولي. كما دشّن سموه إستراتيجية مطارات الدمام، وافتتح حزمة من المشاريع التطويرية المتكاملة التي تجاوزت قيمتها الإجمالية 1.6 مليار ريال، كما أُعلن خلال الحفل عن ناقل وطني اقتصادي جديد ينطلق من مطار الملك فهد الدولي بالدمام، ويقدّم رحلات إلى 24 وجهة داخلية و57 وجهة دولية.
هذه التفاصيل تعكس إجمالاً حجم الاهتمام والدعم الذي توليه قيادة المملكة لهذا القطاع الحيوي والحرص على تطوير البنية التحتية لشبكة النقل الجوي بما يعزز مكانة السعودية كمركز لوجستي عالمي وفق رؤية 2030، كما أن الآثار الايجابية لهذه الخطوة الهامة على المنطقة الشرقية تحديداً ستكون جلية في تنشيط حركة الملاحة الجوية والسفر والسياحة وكل ما يرتبط بهذه العملية التي تنسجم مع طبيعة المنطقة كوجهة سياحية رائدة.
haa2ana@hotmail.com
نظام الوساطة العقارية
في سعي حكومتنا الرشيدة الحثيث في حماية الحقوق بالقطاع العقاري وكذلك تخفيض احتمالية حدوث أي نزاعات بين أطراف المعاملات العقارية وصولاً إلى الحد من هذه الاحتمالية، فقد أصدر مجلس الوزراء نظام الوساطة العقارية الجديد بالمملكة في العام 1443هـ الموافق للعام 2022م، بُغية المساهمة في رفع جودة الخدمات العقارية في السعودية وتنظيم إجراءات الوساطة في القطاع العقاري على نحوٍ متفوق ومواكب وسلس.
جاء نظام الوساطة العقارية الجديد في المملكة ليحل محل لائحة تنظيم المكاتب العقارية لعام 1398هـ ، كما أنه يُعد سارياً ومنطبقاً على الوسطاء العقاريين سواءً أكانوا أفراداً أو منشآت عقارية، وتضمن النظام الجديد فصولاً عدةً بما يشمل تعريفات النظام، وأهدافه، إلى جانب تركيزه على إلزامية الترخيص لمزاولة نشاط الوساطة العقارية، وكذلك توضيح صلاحيات الهيئة العامة للعقار، وصلاحيات مجلس إدارة الهيئة، كما بيّن التفاصيل والمعايير العامة لعقد الوساطة، واستعرض التزامات الوسيط العقاري، كما حدد شروط العربون وعمولة الوساطة، وأتى على توضيح مسؤوليات ومقتضيات الرقابة والتفتيش.
إذاً ما هو المقصود بمفهوم الوساطة العقارية، فنقول بأن مفهوم الوساطة العقارية عموماً يعرف على أنه التوسط بين البائع والمشتري أو المالك والمستأجر في أي صفقة عقارية من أجل إتمامها، إذ يعمل الوسيط العقاري مع أحد أطراف المعاملة أو كلاهما لتحقيق مبتغاهم في بيع أو شراء أو تأجير أو استئجار عقار ما، بعد إيجاد هذا العقار المناسب لتفضيلات المشتري أو المستأجر، أو إيجاد المشتري أو المستأجر الملائم لشراء أو استئجار عقارٍ ما، وبالتالي فتجمع الوساطة العقارية بين أطراف المعاملة أو الصفقة وتدير دفة المفاوضات بين الطرفين وصولاً إلى اتفاقهما وعقدهما الصفقة، ويأخذ الوسيط أجراً مالياً في المقابل حيال ما قام به من خدمات للمالك أو المشتري أو المستأجر وتُسمى الحصة المالية بالعمولة. وقد اختتمت الهيئة العامة للعقار أعمال النسخة الثانية من «ملتقى الوساطة العقارية» الذي نظمته بمركز الرياض للمؤتمرات والمعارض في الرياض يوم الأحد الموافق 20/07/2025م حيث أوضحت الهيئة أن الهدف الرئيسي للملتقى هو بناء منصة فكرية تسهم في تطور المهنة وتحقيق رؤى «الهيئة» وتجسيد الشراكة بين القطاع العام والخاص في تطوير القطاع العقاري وقد استعرض الملتقى أثر التحديثات التشريعية والتنظيمية في تطوير قطاع الوساطة العقارية التي مر بها نظام الوساطة العقارية خلال عامين منذ بدء تطبيقه، إضافة إلى تحليل مدى فاعلية الأطر القانونية في رفع جودة التعاملات وتعزيز الثقة بالسوق العقاري.
k_barshaid@yahoo.com
يشمل تعريفات النظام، وأهدافه، إلى جانب تركيزه على إلزامية الترخيص لمزاولة نشاط الوساطة العقارية
التهديد
يُقال أن الكلمات رسائل، وأن معاني الكلمات رسائل أيضاً، والذي يحدث بين إيران وإسرائيل في أعقاب الصراع الذي استمر لأثني عشر يوما بين الجانبين هو أن الخطاب السياسي والعسكري الإسرائيلي بدأ يركز على أمور جديدة منها ضرورة أن يكون هناك تحرك إسرائيلي لمجرد الشعور بـ «تهديد» من جانب إيران.
هذا المفهوم يحيلنا إلى طبيعة العقل العسكري والسياسي الإسرائيلي الذي يبالغ في نظرية الأمن، مما يفهم أن الموضوع في المستقبل لن يقتصر على مجرد ضربات على منشآت معينة، سواء كانت تلك المنشآت نووية، أو عسكرية على الإجمال، بل قد يتعدى كل ذلك لرسم خطط واستعدادات تزيل التهديدات المحتملة لمجرد التأكد من وجدوها، هذا الموضوع يدخل المنطقة من حالة تعرف لدى الاستراتيجيين بحالة الاضطراب الأمني والتي يتوقع فيها حدوث كل شيئ، وفي أي وقت.
التطور الذي تم رصده مؤخراً حول القناعات التي ربما أصبحت مسلمات لدي القيادتين الإسرائيلية والأمريكية هي الغاء فكرة «احتمال» أن تمتلك الجمهورية الإسلامية في إيران بشكل نظامها الحالي قدرات نووية وليس سلاح نووي، هذا الأمر يجعل الجانب الإيراني أمام حقيقة صعبة تتعلق بسقوط طموحاته والشعبية التي يعتمد عليها داخلياً وجزء منه بناء قدرات النظام النووية، وعلى مستوى الأذرع التي تغذيها إيران كما يعرف الجميع ستدخل في حالة ذبول ولعل التطورات والتنازلات التي يقدمها ما يسمى بحزب الله في لبنان لصالح الدولة، والمجتمع اللبناني أحد الشواهد علي ذلك، وفي المنظور التاريخي والاستراتيجي والاقتصادي إيران ستكون « الخاسر الأكبر» كما يقولون في الثقافة الغربية خلال الأربعة عقود الماضية.
في إسرائيل هناك فهم للكلمات ومضامينها ومعانيها عند السياسيين قد يختلف حول المفاهيم والدلالات عند العسكريين ولكن الجميع في إسرائيل متفقون على أن الطرف المقابل وهو في هذه الحالة الجانب الإيراني عدو ويشكل خطراً، مما يستوجب على الجميع الاستعداد لذلك الخطر المحتمل.
في الأسابيع الأخيرة تحدثت صحف إسرائيلية عن الدروس من الماضي وأكدت أن قوة إسرائيل التي عرفها الجميع لا يجب أن تسمح بتكرار السيناريوهات السابقة بمعنى أنه بمجرد توفر معلومات عن تهديد ما يجب المسارعة للقضاء عليه، ويدعم هذا التصور الأخبار التي أكدت أن الولايات المتحدة قد تزود الجيش الإسرائيلي بطائرات « بي تو» العملاقة القادرة على حمل قنابل قيل أن بعضها صمم بشكل خاص لتفتيت التحصينات الطبيعية الإيرانية.
salem.asker@gmail.com
الطريق الأوضح لتحسين جودة الحياة
أحيانًا، لا تكون الحياة قاسية.. بل ضيقة. تضيق بنا لأننا لم نمنح عقولنا المساحة الكافية للنظر من أعلى، للتأمل من بعيد، لفهم ما يحدث خارج إطار التجربة المباشرة. وهنا، تحديدًا، تأتي أهمية القراءة.
الفرق بين القارئ وغير القارئ، ليس في عدد المعلومات التي يحفظها، ولا عدد الكتب المنجزة، بل في جودة الرؤية. القارئ يرى الحياة من زوايا إضافية، بينما الشخص الذي لا يقرأ يراها كما جاءت؛ بألمها وفرحها ومفاجآتها، دون أن يُعاد ترتيبها أو فهمها من الداخل.
تجربتي الشخصية مع القراءة لم تكن أكاديمية، بل وجودية بحتة. لم أبدأ لأجل المعرفة فقط، بل بدافع الفضول، ثم كنافذة للنجاة. في مراحل مختلفة من حياتي، كانت الكتب هي الوسيلة الوحيدة لفهم نفسي. كنت أجد فيها شرحًا غير مباشر لما أمرّ به، وكأن كاتبًا من مكانٍ بعيد، عبر زمنٍ مختلف، مدّ لي يدًا وقال: «أشعر بك»، كنت أتفاجأ حينما أرى السطور تحاكي واقعي الحالي، وكأن الكاتب قد عاش حياتي من قبل!!
القراءة تعلّمك ألا تنتظر الألم حتى تتعلّم. وأتذكر اقتباسًا قرأته في أحد الكتب، لا أذكر كاتبه للأسف، لكن معناه لا زال راسخا في ذهني: «الذكي من يتعلّم من أخطائه، أما الأذكى فهو من يتعلّم من أخطاء غيره». القراءة تمنحك تلك الفرصة الذهبية أن تختصرعُمرك، بأن تعيش أعمار الآخرين، حين تقرأ عن انهيار شخص رغم نجاحه، أو عن سيدة عاشت طفولة موجعة وتجاوزتها بالفن، أو عن رجل واجه خيبة سياسية ثم تحول إلى فيلسوف.. لا تقرأ قصصهم فقط، بل تقرأ احتمالاتك المستقبلية، وتبني استجابات أذكى.
خذ على سبيل المثال، من لا يقرأ، ويعيش خيبة فقد. غالبًا ما يستهلكه الألم، ويطيل المكوث في دائرة الأسى. بينما القارئ، ربما يكون قد قرأ يومًا عن النهايات، عن التغيّرات، عن هشاشة المشاعر وقوتها، عن فلسفة التقبّل.. فيصبح الفقد أقل قسوة، لأنه ليس مفاجئًا تمامًا.
القراءة لا تصنع حياة مثالية، لكنها تجعل الحياة مفهومة. وكما يُدخل المبرمج شيفرة دقيقة في نظام التشغيل ليحصل على نتائج واضحة ومدروسة، نحن نغذّي عقولنا بالأفكار، فننتج قرارات أكثر وعيًا، ومشاعر أكثر توازنًا، ورؤية أطول عمرًا.
ولعل من المواقف التي جعلتني أُدرك أثر القراءة في حياتي، تلك الدهشة التي أراها أحيانًا حين يعرف الآخرون عمري. لا أذكر هذا على سبيل المديح، بل كمثال بسيط على كيف يمكن للقراءة أن تسبق بك العمرعزيزي القارئ. كثيرًا ما أُوصف بأن تفكيري أكبر من سني، وأن وعيي لا يُشبه مرحلتي العمرية، وأعتقد أن السبب الحقيقي لا يعود إلى استثناء، بل إلى عادة. عادة تغذية العقل، كما نغذي الجسد تمامًا.
القارئ يبني داخله مرونة، كل فكرة جديدة تمنحه مساحة داخلية إضافية لفتح مدارك أوسع، تمامًا كمن يوسّع بيته غرفةً بعد أخرى، حتى لو لم يسكنها جميعًا… في الأخير تبقى القراءة خيارًا راقيًا وواعيًا لمن أراد حياة لا تستهلكه، بل تكمّله. ليست كل قراءة مفيدة، ولكن كل قارئ حقيقي، أقصد ذاك الذي يقرأ ليعيش لا ليتباهى، يعود أكثر عمقًا، أكثر تفهّمًا، وأقل ضيقًا بالحياة.
إن أردت أن تبدأ بتحسين جودة حياتك، لا تفتش عن وصفات سريعة، بل ابدأ بفتح كتابًا. فالحياة لا تتغير من الخارج.. بل من الداخل أولاً، من العقل تحديدًا، عقلك هو الذي يعكس واقعك.
pbthdw@gmail.com