المعلم.. مستقبل التعليم يبدأ من هنا

في زمن تتسارع فيه وتيرة التغيرات العالمية، وتتصاعد فيه المنافسة بين الدول على بناء المعرفة والابتكار، يبقى المعلم هو الركيزة الأساسية التي يقوم عليها أي مشروع تنموي في مختلف القطاعات الخدمية.
ولذا، تبرز أهمية استثمار وزارة التعليم في المعلمين باعتبارهم الخيار الاستراتيجي المترجم لمستهدفات الرؤية الوطنية 2030م نحو بناء رأس مال بشري قادر على المنافسة والإبداع. ومع ما تشهده الجامعات السعودية من إقبال كبير من المعلمين والمعلمات للانضمام ضمن برامج الدراسات العليا بمختلف تخصصاتها في ظل إيمان قادة التعليم ومنظّروه بأهمية دور المعلم باعتباره العامل الحاسم في جودة مخرجات التعليم وبناء رأس المال البشري الذي تراهن عليه الدول لتحقيق التقدم. والمكون الأهم في المنظومة التعليمية، والأداة الأساسية والفعّالة في تحقيق مستهدفات برنامج تنمية القدرات البشرية، وأنه لم يعد دوره مقتصراً على تلقين المعرفة، بل أصبح قائداً للتغيير، وموجهاً لمهارات التفكير والإبداع، وراسماً لمستقبل الوطن المشرق -بإذن الله تعالى-.
وتحتفل المدارس بيومه العالمي، اعترافاً بفضله وإبرازاً لمكانته؛ إلا ما يًشاهد في المقابل من غض الطرف من معالجة التحديات والصعوبات التي تواجهه في رحلته التطويرية، والعمل على التركيز على الانضباط حضوراً وانصرافاً دون الإشادة بمستويات الإنتاج في ظل محدودية الإمكانيات في أحيان كثيرة. ومن هنا كان لازماً على وزارة التعليم أن تحتفي بأولئك المعلمين والمعلمات ممن يقطعون الفيافي والقفار قبيل صلاة الفجر وحتى الساعات المتأخرة من الظهيرة، ليبدؤون رحلة التعلم والتعليم في الجامعات وحتى الساعات المتأخرة من الليل وهكذا دواليك.
إن العناية بأولئك المتميزين والمتميزات أمر جدير بالعناية والاهتمام لأثره البالغ في تطوير المنظومة التعليمية بمختلف مكوناتها، ومحفزّاً لزملائهم وزميلاتهم للانضمام في رحلة التطوير المهنية التعليمية، وقدوة لطلابهم وطالباتهم ليتسنوا بهم وينهجوا نهجهم، ويرفع من مستوى الرضا الوظيفي لديهم. فالاستثمار الحقيقي لا يكمن في دورة تدريبية عابرة أو لقاء تنشيطي مقتضب، بل في التشجيع والتحفيز لصناعة باحثين وباحثات للإسهام في دراسة الواقع وتطويره، وتقديم المبادرات التعليمية المبتكرة؛ بما يعزز تحول المدارس إلى بيئات تعليمية محفزة على التفكير والإبداع.
ويبقى الاستثمار في المعلمين والمعلمات رهاناً وطنياً طويل الأمد، فالمعلم المؤهل وكذلك المعلمة المؤهلة هما من يصنعان أجيالاً قادرة على قيادة المستقبل. وفي ظل هذا التوجه، تمضي المملكة بخطوات واثقة نحو تحقيق مستهدفات الرؤية الوطنية 2030، التي تجعل من التعليم مدخلاً لبناء اقتصاد مزدهر ومجتمع معرفي عالمي المنافسة. ومتى ما تم تعزيز هذا الاستثمار بشكل مستمر، فإن أثره سيمتد إلى جميع مجالات التنمية المستدامة، لتصبح المدرسة بيئة لإطلاق الطاقات البشرية التي تشكل أعظم ثروة للوطن.
ومن الحلول العملية الداعمة لأولئك المعلمين والمعلمات المنتظمين والمنتظمات ببرامج الدراسات العليا تحفيزهم من خلال تسهيل الإجراءات الإدارية يعد ركيزة أساسية، بدءًا من منح الإجازات الدراسية، ومرورًا بجدولة مرنة لساعات العمل، وانتهاءً بتخصيص مقاعد في برامج الماجستير والدكتوراه عبر شراكات بين وزارة التعليم والجامعات. مثل هذه الخطوات تجعل الطريق ممهّدًا أمام المعلمين دون أن تتأثر مسؤولياتهم التربوية. وأخيراً فتحفيز المعلمين والمعلمات لإكمال الدراسات العليا ليس ترفًا، بل ضرورة وطنية واستراتيجية، تعزز رأس المال البشري وتضمن جودة التعليم. فالمعلم حين يُمنح فرصة للنمو العلمي، يمنح المجتمع مستقبلًا أكثر إشراقًا.
malwadai@kku.edu.sa

تحويل «التبعية إلى إنتاجية» في سوق العمل

في خطوة مهمة لتنظيم سوق العمل وتوسيع قاعدة القوى العاملة المؤهلة لجعل سوق العمل السعودي أكثر «كفاءة وتنوعًا»، وافق مجلس الوزراء على طلب وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية إضافة صلاحية تحديد المقابل المالي لعمل المرافقين والمرافقات للعمالة الوافدة النظامية إلى الصلاحيات الممنوحة له، وفي هذا المقال سأتطرق لوجهة نظري الشخصية عن هذا التوجه في سوق العمل بالمملكة.
نص القرار على منح وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، تنظيم عمل المرافقين والمرافقات للعمالة الوافدة النظامية في المملكة، وتحديد التوسع في الأنشطة الاقتصادية والمهن، وذلك بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، وتمت إضافة تحديد المقابل المالي لعمل المرافقين والمرافقات للعمالة الوافدة النظامية في المملكة وذلك بالاتفاق مع وزارة المالية ومركز تنمية الإيرادات غير النفطية.
القرار تضمن أن يكون مجموع ما يتم تحصيله على كل مرافق سيعمل في سوق العمل مساوياً لما يتم تحصيله من المقابل المالي المقرر على العمالة الوافدة في القطاع الخاص، وهذا يعني أن الأقرب لذلك هو أن يتم تنظيم هذا التوجه ووضع الضوابط المنظمة لعمل المرافقين والمرافقات، بالإضافة لتحديد القطاعات الاقتصادية والمهن المسموح لهم بالعمل فيها من خلال تطوير اشتراطات برنامج «أجير»، والذي يهدف لتسهيل وصول منشآت السوق إلى القوى العاملة الداخلية.
برنامج أجير أحد برامج وزارة الموارد البشرية التي لها تأثير إيجابي على مؤشرات سوق العمل، ومنذ إطلاقه ساهم بشكل كبير في تمكين وتحديث حركة القوى العاملة في السوق السعودي من خلال توفير حلول فعّالة وسريعة، حيث سهل من تقليل الاعتماد على الاستقدام الخارجي وزيادة مرونة سوق العمل من خلال تلبية احتياجات المنشآت الموسمية والطارئة، وتعتبر فترة أزمة «الكورونا» شاهداً على ذلك.
هذا التوجه سيقلل من تواجد حالات العمل غير المنظم، حيث كان بعض المرافقين يعملون بشكل غير رسمي مما يؤثر على مفهوم التنافسية والعدالة بين المنشآت، وأرى أن هذا التوجه سيساهم في استغلال الطاقات والقدرات الكامنة للمرافقين النظاميين، حيث أن الكثير من المرافقين يحملون مؤهلات علمية أو مهارات مهنية «غير مستثمرة» يمكن الاستفادة منها في سوق العمل بدلاً من بقائها مُعطلة، وسيساهم ذلك في التقليل من الاستقدام الخارجي خاصة في الاحتياجات المؤقتة والموسمية، وسيفتح المجال أمام القطاع الخاص للاستفادة من كفاءات ومهارات هذه الفئة، والتي ستكون متاحة بتكاليف أقل مقارنة باستقدام عمالة من الخارج.
على الرغم من عدم الإعلان «التفصيلي» عن هذا التوجه، لكن أرى أنه يستهدف تحويل «التبعية إلى إنتاجية»، وذلك من خلال تحول أفراد الأسرة المرافقين إلى شريك فاعل في سوق العمل بالمملكة مما يعود بالنفع على الاقتصاد وسوق العمل وتحسين جودة الحياة، وهذا الأمر يدعم توجه الوزارة لتحقيق العديد من مستهدفات رؤية المملكة في تحقيق «المرونة في سوق العمل» و«تمكين الكفاءات» إضافة إلى «رفع نسبة مشاركة القوى العاملة».
البعض ينظر لهذا التوجه بأنه سيتسبب في التضييق على دخول المواطنين لسوق العمل، وشخصياً أرى العكس حيث أنه يعتبر «حل مرحلي» سيساهم في تقليل الاستقدام الخارجي المباشر لتغطية الاحتياجات العاجلة، مما يتيح فرصًا أكثر لاستدامة عمل المواطنين في وظائف نوعية على المدى الطويل، وبالإضافة لذلك؛ بما أن التوجه سيعتمد بشكل أكبر على العمل المؤقت للمرافقين «كبوادر أولية»، فستكون هناك فرصة للمنشآت في عدم الدخول في التزامات طويلة الأجل وسيعزز من كفاءة النفقات التشغيلية لها، والأهم من ذلك الاستمرار بمراجعة معدلات التوطين التي يتم إقرارها لضمان أولوية فرص العمل للمواطنين.
ختاماً؛ وضع ضوابط واضحة ومتكاملة مع برامج التوطين، سيسهم في بناء سوق عمل أكثر كفاءة واستدامة يتماشى مع مستهدفات رؤية المملكة.
مستشار موارد بشرية
khaled@econsult.com.sa

تحاليل الوافدين سنويا

يقول المثل.. الوقاية خير من العلاج، ومن أهم سبل الوقاية الصحية هي المتابعة والرقابة والحرص على السلامة العامة، ومن خلال تلك الرقابة في حال اكتشاف بعض الأمراض المعدية -لا قدر الله – لدى البعض نستطيع محاصرتها والحد منها قدر المستطاع.
من أهم أساليب الوقاية التي يمكن الاعتماد عليها هي: قراءة الحالة الصحية للشخص بشكل صحيح من خلال التحاليل المخبرية التي تعطي غالباً قراءة صحيحه لجميع ما يتعرض له جسم الانسان من مشاكل وعلات وأمراض حتى يمكن التعامل معها بشكل مناسب وعلاجها أو عزلها حتى ننقذ البقية من أية أمراض معدية.
لدينا ملايين الوافدين الذين يعملون معنا ونحتك بهم بشكل مباشر في حياتنا وأعمالنا، وأغلب هذه الفئة يعيشون في بيئات تقل فيها وسائل السلامة والاحتياط بسبب أنهم يعيشون مع بعض في أماكن وتجمعات كثيفة مما يجعل انتشار الأمراض المعدية بينهم أسرع فيما لو كانوا يعيشون متباعدين، أيضاً في البيئات التي يغلب عليها طابع الغربه عن البلد تجدهم يتساهلون كثيراً في موضوع السلامة من باب التوفير في المادة مما يجعلهم عرضة لانتشار الأمراض المختلفة. ولذلك، فإن إلزام الوافد بعمل تحاليل شاملة كل سنة «أمراض معدية وجنسية وغيرها» مهم للحفاظ على الصحة العامة للجميع سواء مواطنين وسائحين وزائرين ليصبح مجتمعنا خالي من الأمراض والمشاكل الصحية.
يطلب تحليل من الوافد قبل حضوره للعمل في المملكة، وبعدها لا يطلب منه شيء حتى مغادرته التي ربما تتجاوز السنتين أو الثلاث وربما أكثر، وخلال هذه المدة ربما يصاب بمرض معدي أو مشكلة صحية ولا يعلم عنه أحد، ولكن من خلال التحاليل نستطيع اكتشاف تلك المشكلة وحلها مما يجعل الكشف السنوي مهم جداً لنحافظ على مجتمعنا خالي من الأمراض الاوبئة.
amarshad55@gmail.com

فاقد الشيء يعطيه وبسخاء

«فاقد الشيء لا يعطيه»، كتبت سابقاً في هذا الموضوع واليوم أعود وأكتب لاختلاف البعض في معناه الحقيقي والذي هو، أن من لا يمتلك شيئًا أو يعيش تجربة لا يمكنه أن يمنحها للآخرين، إلاّ أن صحة هذه المقولة تعتمد على الفرق بين الفقد المادي والفقد المعنوي فالفقد المادي، لا يمكن الشخص إعطاءه للآخرين، أما الفقد المعنوي، كالحب أو الأمان، والحرمان فكثيراً ما نرى فاقدين معنوياً يعطون بكثرة لأنهم أدرى بقيمة ما فقدوه رغبة وأملاً في تعويض هذا الفقد لنفوسهم ولغيرهم.
فالفاقد للخبرة والذي لا يمتلك شيئًا من الأساس، أومن لم يعش تجربة معينة، لا يمكنه بالطبع أن يمنحها للآخرين.
لكن الفاقد للفقد لمعنوي هو من فقد الحنان والعاطفة، وفي هذه الحالة يكون من أقدر الناس على منحها.
والشواهد كثيرة. فمن فقدوا الأمان هم من يتعطشون لمنحه للجميع وكذلك ومن فقدوا التفاهم والدعم هم أيضاً من يستطيعون أن يقدموه لغيرهم، فالكثير ممن حرموا الحنان صغاراً نجدهم مصدراً للحنان كباراً.
حيث إن من عانوا الحرمان يُدركون قيمة الحنان بشكل أعمق ويُقدمونه بسخاء لمن حولهم كتعويض عن مرارة فقدانهم له في الصغر، بناء على مصادر كثيرة.
وكذلك اليتيم الذي ذاق مرارة اليتم وفقدان المعيل المادي والعاطفي، نجده معطاء لأمثاله.
والذين حرموا من الإنجاب يعطون الحب ببذخ لأطفال الآخرين. وكذلك الذين لم يتعلموا لظروفهم الخاصة، من واقع معرفتي بهم، أبناؤهم علماء وعباقرة، ومسئولون في الدولة وفي القطاع الخاص.
واقع حقيقي للعطاء وبلا حدود، نرى ونسمع قصصاً لأشخاص كانوا في الماضي فقراء فأغناهم الله فتذكروا معاناتهم وتذكروا الفقراء وشعروا بمعاناتهم فقدموا أفضل ما لديهم ولم يبخلوا بشيء.
إذاً ليس صحيحاً ما تعارف عليه البعض بأن فاقد الشيء لا يعطيه. التربية القاسية التي تعرض لها بعض الآباء والأمهات في الصغر كانت معاملتهم لأبنائهم مبنية على الحنان والصبر النصح والتسامح والهدوء النفسي.
والذي فقد التقدير والثناء والاحترام صغيراً الإنسانية فلا شك سيمنحه للآخرين، فكلما قدم الإنسان ويقدم من إحسان يعود إيجابًا، مبدأ: يؤكد أن الأعمال الصالحة والخيرية التي يقوم بها الشخص ترتد عليه بالنفع والخير في المستقبل، وأن كل خطوة حسنة في طريق العطاء تقود إلى نتائج إيجابية في حياته الشخصية والمجتمعية، سواء كانت هذه النتائج مادية أو معنوية.
neesa_makki@hotmail.com

الشخصيات السلبية والسامة

تختلف شخصية الإنسان باختلاف الكثير من العوامل التي ساهمت في صياغة أطباعه وقناعاته وثقافته وأسلوب تفكيره ونظرته للحياة منها التربية والبيئة التي نشأ فيها اجتماعيا وتعليميا، كما لظروف حياته المعيشية أثر كبير في تكوين شخصية بالإضافة لما تعاقب عليه من المواقف والخبرات والأحداث التي كان لها تأثير مباشر أو غير مباشر في صياغة مسارات حياته وتحديد أولوياته وكذلك رسم ملامح علاقاته بمحيطه سواء علاقاته الأسرية أو صداقاته وكيف يتعامل مع الناس بشكل عام في حياته اليومية.
في حياتنا اليومية، نلتقي بأنواع مختلفة من الأشخاص، منهم من يضيفون لحياتنا دعمًا وسعادة، ومنهم من يشكلون عبئًا نفسيًا وعاطفيًا، وهم ما يُعرفون بـ»الشخصيات السلبية والسامة». قد يكون هؤلاء أشخاصًا مقربين، كزملاء، أصدقاء، أو حتى أفراد من العائلة. التعرف عليهم وفهم طبيعة تأثيرهم أمر بالغ الأهمية للحفاظ على الصحة النفسية والتوازن الداخلي.
الشخصية السلبية هي التي تركز باستمرار على الجانب المظلم من الأمور، وتتوقع الأسوأ دائمًا، وتبث مشاعر الإحباط واليأس في من حولها.
ومن أبرز صفاتهم التشاؤم الدائم والشكوى المستمرة ومقاومة التغيير وتهويل المشاكل وضعف الثقة بالنفس ونقل هذا الضعف للآخرين.
أما الشخصية السامة لا تقتصر على السلبية فحسب، بل تتسم بقدرتها على إيذاء الآخرين نفسيًا أو عاطفيًا، سواء عن قصد أو دون وعي ومن أبرز صفاتهم التلاعب بالمشاعر والنقد المستمر واللاذع أو التقليل من الآخرين و السخرية منهم والغيرة والأنانية وحب السيطرة وفرض الرأي.
ختاماً.. الحياة قصيرة جدًا لنهدرها في علاقات تستنزفنا بدل أن تُنمينا.. الشخصية السامة قد تكون من أقرب الناس، لكنك تملك الحق في حماية نفسك وسلامك النفسي بالصد والبعد عنها. فالتوازن بين التعاطف مع الآخرين والحفاظ على الذات هو مفتاح العلاقات الصحية، فكن واعيًا في اختياراتك، وتذكر أن قول كلمة «لا» هي أصدق تعبير عن احترامك لنفسك و حمايتها.
nesreenfahad@yahoo.com
ومن أبرز صفاتهم التشاؤم الدائم والشكوى المستمرة ومقاومة التغيير وتهويل المشاكل

سر الصحراء ودهاء العرب

اعتمد الانسان قديماً على حسه الداخلي وقدرته على قراءة حركات الجسم والأصوات، وأيضاً من خلال ملامحهم وهو تحليل دقيق لتصرفات وسلوكيات الآخرين فقد اشتهرت العرب بذلك وأصبحت جزءا من ثقافتهم.
عُرفت العرب منذ القدم وخاصة للبدو بالفراسة، فهي موهبة فطرية لفهم من حولهم ويدركون مالا يُقال ولا يُسمع، وهي قدرة ذهنية ونظرة ثاقبة للملاحظة السريعة والعميقة ومعرفة خفايا النفس، فالفراسة كانت ولا زالت من صفات العربي الفطن.
نشأت الفراسة منذ القدم وورد ذكرها في القرآن الكريم والسنة النبوية واستدل بها في علوم عدة مثل: علم الطب فعن أبي سعيد قال:-قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- «أتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله».
ومن أنواع الفراسة التي يستخدمها العرب، فراسة الحدس، وأيضاً فراسة الصوت، وفراسة الوجه، وفراسة الحركة، وهناك أيضاً مجموعة من مصطلحات عن الفراسة عند العرب وهي القيافة والريافة، حيث أن الريافة اشتهرت به البدو خاصة بسبب ظروفهم القاسية وترحلهم المستمر لاستمرارية الحياه لهم ولمواشيهم فهو اكتشاف مواطن المياه وأماكن تواجدها ودلالات على مواقعها، ومنها أيضا العيافة وهي تتبع الأثر سواء أثر لأشخاص أو حيوانات ومعرفة من سلك الطريق وأين وجهته، وأيضاً في تتبع الفريسة للصيد والاختلاج هو تحليل الآثار تحليل عميق كالمعرفة هل هو ذكر أم أنثى وحالته الصحية، وأيضاً يعرف نوع الأثر وإلى أي قبيلة يعود لها الأثر ومن الشخصيات المشهورة الفراسة عبر التاريخ،الإمام الشافعي- رحمه الله – فقد جمع بين فقه الحجاز والعراق وتميز عن أقرانه بذكائه وفطنته وسرعة بديهته، والملك عبدالعزيز بن عبد الرحمن آل سعود – طيّب الله ثراه -موحد هذه الأرض المباركة، فقد تميز بالفراسة السياسية والحكمة والبصيرة حيث يقرأ نوايا الناس ويتنبأ بعواقب الأمور بسبب نظرته الثاقبة وفراسته.
ختاما الفراسة هي ليست مجرد ملاحظة أو صوت صامت، بل هي فن عميق لقراءة ما بين السطور وذكاء خفي ليست خيال أو أساطير، بل واقع لسر الصحراء ودهاء العرب.

الترجمة وجاذبية الهمداني

الترجمة كانت جسر لنقل العلم والمعرفة والثقافة بين الشعوب والحضارات. وكان لها أيضا دور محوري في التطور العلمي، لأن النهضة العلمية لأي حضارة هي عملية تراكمية. وقد صدق نيوتن حين قال: لقد أبصرت بعيدا لأني كنت أقف على أكتاف العظماء. أي أن قانون الجاذبية بدأ بأفكار أرسطو، ثم ملاحظات واستنتاجات الهمداني والبيروني والبغدادي، وبعدهم تجارب غاليليو، وثم قوانين نيوتن، ونظريات آينشتاين، وهذه الأفكار والمعلومات انتقلت بينهم وإليهم عن طريق الترجمة.
ومن الجدير بالذكر، فإن «بيت الحكمة» الذي تم تأسيسه في بغداد، كان له دور كبير في ترجمة علوم الطب والفلك والهندسة والآداب، والفلسفة وغيرها، والتي ساهمت بشكل مباشر في نهضة الحضارة الإسلامية العلمية، وأثرت فيما بعد في النهضة الغربية عن طريق مدرسة طليطلة للمترجمين، ومراكز الترجمة في مدينة صقلية.
ولبيان أهمية الترجمة في نهضة الأمم، فكتاب مثل: «القانون» في الطب لابن سيناء ظل يدرس في الجامعات الأوروبية حتى القرن السابع عشر ميلادي. وكتاب «الجبر والمقابلة» للخوارزمي، وكتاب «المناظر» لابن هيثم وغيرها من الكتب للبيروني والبتاني والرازي أسهمت بشكل واضح في نهضة أوروبا. ومما يذكر كذلك في باب الترجمة، أن ابن رشد لم يكن يجيد اللغة اللاتينية، ولذلك اعتمد على ترجمات كتب أرسطو من النسخ العربية. ثم بعد حين تُرجمت كتب ابن رشد «ويلقب الشارح الأكبر» إلى اللاتينية، وكان ذلك من أسباب انتشار فكر وفلسفة أرسطو في أوروبا قاطبة، أي أن الترجمة كان لها الفضل في نقل العلوم والثقافة في كيلا الاتجاهين العربي والغربي.
ونتحدث عن موضوع الترجمة لأن «30» من شهر سبتمبر يوافق «اليوم الدولي للترجمة». وذكرت هيئة الأمم هذا اليوم العالمي بقولها: «إن نقل العمل الأدبي أو العلمي، بما في ذلك العمل الفني، من لغة إلى لغة أخرى، والترجمة المهنية، بما في ذلك الترجمة المناسبة والتفسير والمصطلحات، أمر لا غنى عنه للحفاظ على الوضوح والمناخ الإيجابي والإنتاجية في الخطاب العام الدولي والتواصل بين الأشخاص». وللمعلومية، تصدر وثائق الأمم المتحدة باللغات الرسمية الست للمنظمة في وقت واحد «العربية والصينية والإنجليزية والفرنسية والروسية والإسبانية».
وللترجمة دور فعال في تطور اللغة، وفي إثراء المصطلحات العلمية، وجعلها موحدة ومختصرة حتى يصبح التبادل المعرفي والعلمي والتقني أدق وأسهل. ومن الملاحظ أن اللغة العربية أثرت في أيام مجدها في اللغات الأخرى، وهي أيضا استطاعت بمرونتها أن تستوعب المصطلحات العلمية الحديثة والتقنية بكل سهولة وتعربها.
وللفائدة، فإن نص «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان» عام «1948م»، قد تمت ترجمته إلى أكثر من «500» لغة، وبذلك هو يحمل رقم غينيس للأرقام القياسية باعتباره الوثيقة الأكثر ترجمة عالميا.
وفي عصرنا الحالي ومع التقدم التقني المهول والمتسارع أصبح الذكاء الاصطناعي وبرامج الترجمة تساعد في التخاطب مع الأخرين بلغتهم الأم، وبشكل فوري. ولكن في المقابل، تظل هناك صعوبات في ترجمة الكتب والعلوم التقنية والحديثة، حيث تطل علينا من وقت إلى آخر مصطلحات علمية وتقنية جديدة، وهي تحتاج إلى أن تكون اللغة المراد الترجمة إليها مرنة بشكل فعال لتستطيع استيعاب الكلمات المستحدثة، بما لا يخالف روحها وقواعدها. والواقع، أن اللغات ليست سواسية في قدرتها على اكتساب كلمات جديدة، وعلى التأثير في اللغات الأخرى.
الترجمة تبين قدرة اللغة في التعبير الدقيق عن المعنى، وبراعة المترجم في الصياغة.
abdullahalghannam@hotmail.com

ماذا تبني..!!

عندما نرى العنوان يتبادر في أذهاننا البناء. فماذا ممكن أن تبني ؟
في هذه الحياة قد نبني أساسات من حلم، قد يكون جدران من الصبر أو سقفاً من أمل، ففي كل لبنة سوف تضعها تحكي قصة كا خطوة تخطوها تقرر مصيراً، أو فصلا جديداً في هذه الحياة..!!
في عالم يتغير بسرعة وبتطور باستمرار، يطرح السؤال عن ماذا نبني كتحدي وجودي وفكري، البناء هنا ليس مجرد عملية مادية لإنشاء هياكل أو مؤسسات، بل هو أيضًا عملية نفسية واجتماعية وفكرية لبناء الذات، وبناء المجتمعات، وبناء الأجيال، بناء مستقبل أفضل يعكس قيمنا ورؤيتنا للحياة..!!
«بناء الذات» يبدأ من الداخل، حيث يسعى الفرد إلى تطوير قدراته ومهاراته وتعزيز قيمه ومعتقداته. يتطلب هذا البناء الوعي بالنفس والتفكير النقدي والقدرة على التعلم المستمر. عندما نبني أنفسنا، نكون قادرين على المساهمة بشكل إيجابي في المجتمعات التي نعيش فيها. والأفكار..!!
«بناء الأجيال» الواعي المتمكن يكون أساساً قوياً ، كالتعليم المتين والشامل ،والتربية السليمة المستمدة من العقيدة والقيم ويزرعها في الأجيال القادمة..!!
«بناء الأفكار والمعرفة» هي أساس التقدم البشري. بناء الأفكار يتطلب البحث والابتكار والتفكير الإبداعي، عندما ننمي المعرفة ونتبادل الأفكار، نفتح أبوابًا جديدة للتقدم والتطور في مختلف المجالات مثل العلوم والتكنولوجيا والفنون..!!
«بناء المجتمعات» هي نسيج من العلاقات الإنسانية والتفاعلات الاجتماعية. بناء مجتمع قوي ومتين يتطلب التعاون والتفاهم المتبادل والاحترام للتنوع، المجتمعات التي تُعزز التماسك الاجتماعي والعدالة والمساواة غالبًا ما تكون أكثر قدرة على مواجهة التحديات وتحقيق التقدم..!!
«بناء العلاقات» الإنسانية هي جزء أساسي من حياتنا، بناء علاقات صحية ومستدامة يتطلب التواصل الفعال والاحترام المتبادل والتفاهم، العلاقات القوية تُساهم في تعزيز السعادة والرفاهية النفسية للأفراد..!!
في عملية البناء «التحديات والفرص»، نواجه تحديات مثل التغيرات السريعة في التكنولوجيا والضغوط الاقتصادية والاجتماعية والمهنية ومع ذلك، هذه التحديات تُقدم أيضًا فرصًا للابتكار والتكيف والنمو، البناء المستدام يتطلب رؤية إستراتيجية وقدرة على التكيف مع المتغيرات..!!
«البناء المستدام» يشمل جوانب متعددة مثل الاستدامة البيئية والاقتصادية والاجتماعية. يتطلب هذا النوع من البناء الوعي بأهمية الحفاظ على الموارد الطبيعية وتعزيز العدالة الاجتماعية وتحقيق التوازن بين الاحتياجات الحالية والمستقبلية..!!
شمعـــة مضيئـــة :
السؤال «ماذا نبني؟» يفتح أبوابًا للتفكير العميق حول أهدافنا وقيمنا ومسؤولياتنا. البناء ليس مجرد فعل مادي، بل هو عملية شاملة تشمل بناء الذات والمجتمعات والأفكار والعلاقات. من خلال البناء الواعي والمستدام، يمكننا تحقيق تقدم يُعزز الرفاهية الإنسانية ويُساهم في خلق عالم أفضل..
قد يكون هذا المقال قد أثار التفكير حول معاني البناء المختلفة وأهميتها في حياتنا ومجتمعاتنا ويكون لها معاني متعددة فحافظوا على هذا البناء الثابت دائماً..»
«من محطة ماذا تبني أُحدثكم..» قلمي
sa1982mu@gmail.com

عندما كانت الأطلال غرضا شعرياّ

من أغراض الشعر العربي الجاهلي كان البكاء على الأطلال..
قال امرؤ القيس: كأني غداة البين حين ترحّلوا
لدى سمرات الحيّ ناقفُ حنْظَلٍ .
ناقف الحنظل: هو من تدمع عيونه من البكاء من أثر حبوب لقاح الحنظل وهة نبات مرّ المذاق.
يمر على الأطلال القديمة في شرق وشمال المتوسط زمن طويل قبل أن يستطيع التاريخ أن يُعطيها اسم «أطلال».
ولا أعرف في الإنجليزية مقابلا لمفردة أطلال. وأقرب شيء في ذهني الآن هي مفردة «RUINS» وهي لا تعني فقط الآثار الباقية أو المباني، بل تعني أيضا الدمار «DEVASTATION» أو الخراب «Desolation».وفي أدبيات العرب التقليدية ترددت عبارة البكاء على الأطلال كغرض من أغراض الشعر العربي في تلك المرحلة. وكانت غرضاً شعرياً شائعاً يبدأ بها بعض الشعراء قصائدهم.
لخولة أطلال ببرقة ثهمد
تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليدِ
هكذا افتتح طرفة بن العبد معلقته.. وغيره كثير.
والأطلال مرتبطة بالرمل والصحراء والعوامل المناخية، هذا في الصحراء العربية حيث تبدو «كباقي الوشم في ظاهر اليدِ». كذلك ارتبطت بالرحيل: ودّع هريرة إن الركب مرتحلُ.
والمدى الزمني الذي تتكون فيه الأطلال في الصحراء العربية قصير جدّا. فالـ أكروبوليس في أثينا يعود إلى 500 قبل الميلاد. ومع ذلك بقي تحفة معمارية وإنجازا حضاريا.
وهريرة عندما ارتحلت ستصبح مرابع أهلها أطلالا وبرقة ثهمد قفرا.
وحسبة بسيطة تجعل قارئ الشعر الملحمي يجزم أن خولة رحلت مع أهلها قبل عشر سنوات فأصبحت منازلهم أطلالا تلوح وسط الرمال.
وفي عصرنا.. وفي بلادنا العربية، من يصدّق أن مباني إسمنتية عامرة قبل أقل من عشرين سنة، أصبحت الآن أطلالا في أواسط وأطراف أمهات مدننا الكبيرة.
يظهر أن الارتحال ملازم لذوي الجذور الصحراوية. فالباحث في الشعر النبطي الجيّد سيجد محمد بن لعبون تعاطى البكاء على الأطلال أيضا في أبيات من قصيدة طويلة عنوانها «يا منازل ميّ» قال:
من هموم في قلوب في جسوم
في بيوت في ديار في عدام
غيرت فيها تصاريف النجوم
وأبدلت فيها بعين ما تنام
عوضت عنها الضعاين بالهدوم
وانتحاب البوم عن سجع الحمام
binthekair@gmail.com

الكفيف الذي يرشد مئات ملايين المبصرين

توفى الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، المفتي التقي، رحمه الله، وهو الذي أمضى 35 عاماً خطيباً في مسجد نمرة بعرفات، وسجل أطول مدة خطيباً لعرفات في تاريخ الأمة.
كل عام من الـ 35 عاماً، يخطب الشيخ في ملايين من الحجاج. ومئات الملايين من الأمة الإسلامية، في بقاع الأرض، تحرص على سماع خطبته وبيانه الشجي المؤثر. واكتسب قلوب الجموع في أنحاء الأرض.
وكان كثير من المشايخ تنظيم الإخوان، يداهنون ويتقربون منه، ثم فجأة عادوه، لأنه عارض منهج الحزب السياسي التخريبي وإثارة الفتن والفوضى في المجتمعات العربية الآمنة، فبدأ، نشطاء الحزب ومشايخه وقادته، لأسباب سياسية، يطعنون بالشيخ ويشوهون سمعته. حتى في يوم وفاته، لم تردع حرمة الميت حزبيتهم القميئة، فانهالوا عليه بالطعن والتشويه والاختلاق، بل أن أحد موالي الإخوان وبوقهم، سخر من مرض الشيخ وكونه كفيفاً. فبلغ بهم الحقد الدنيوي أن يتجاوزا الدين ويتخطوا موانع الأخلاق والمروءة إلى غوغائية صبيانية.
وكون الشيخ كفيفاً كان فخراً له ومندبة، إذ كان وهو كفيف يهدى مئات الملايين من المبصرين، إلى الحق والخلاص.
وهؤلاء الحاقدون الشتامون، قد أهدوا للشيخ، من حيث لا تحتسب شياطينهم، ملايين من الحسنات المجانية وهو في قبره. وسوف يخاصمهم يوم القيامة أمام الواحد الأحد العدل الصمد، على كل كلمة تتنقص منه أو تشوه سيرته وعمله وعلمه.
وكان الشيخ، في كل عام، يدعو من عرفات، المسلمين إلى الالتزام بدين الله، ونهج الرسول صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه الصحابة والسلف الصالح، وبر الوالدين والصدق والأمانة والتسامح والرحمة للناس ورعاية الفقراء. ويدعو الحجاج إلى السكينة والتقوى وعبادة الله وحده، والاستغفار، وأن يغتنموا الحج ليتنظفوا من الذنوب، ليعودوا كيوم ولدتهم أمهاتهم.
وقال لي كثيرون من بلدان عربية وإسلامية، أنهم في كل عرفات يحرصون على سماع خطبة الشيخ في عرفات، التي دائماً مؤثرة وبليغة وفيها الكثير من العلم الذي ينتفع به عوام المسلمين في أنحاء الارض.
*وتر
يا أيها الراحل المهيب
عليك سلام الله، ما هبت النسائم،
وما لهج العباد بالدعاء،
كنت مرشداً وهادياً، وملكت قلوب ملايين الموحدين،
برداً وسلاماً.. ونعيم الجنان