أذكياء.. لكن أغبياء

يعتقد كثيرون أن الذكاء هو درع منيع يحمي صاحبه من الوقوع في الأخطاء، أو التورط في الأفكار الغريبة، أو اتخاذ قرارات سيئة. لكن الحقيقة قد تكون عكس ذلك تمامًا. فبحسب عدد من الدراسات النفسية الحديثة، لا يرتبط الذكاء دائمًا بالحكمة أو التفكير السليم، بل قد يتحوّل في بعض الأحيان إلى أداة تساعد الإنسان على خداع نفسه!
في دراسة شهيرة أجراها الباحث والعالم المعرفي مايكل شيرمر، وُجد أن الأشخاص الأذكياء جدًا «أصحاب الدرجات العالية في اختبارات الذكاء» كانوا أكثر قدرة على تبرير أفكار خاطئة آمنوا بها مسبقًا، حتى عندما كانت تلك الأفكار غير منطقية أو خالية من الأدلة. يقول شيرمر: «الأشخاص الأذكياء يصدقون أشياء غريبة لأنهم بارعون في الدفاع عن معتقدات وصلوا إليها لأسباب غير ذكية» بمعنى آخر، الذكاء لا يمنعنا دائمًا من تصديق الخطأ، بل يمكن أن يساعدنا على «تزويقه» وتبريره بطرق تبدو عقلانية!
وهنا تكمن المفارقة: نحن في كثير من الأحيان لا نُكوِّن قناعاتنا بناءً على تفكير منطقي، بل بناءً على عواطفنا، ميولنا، تجاربنا السابقة، أو حتى رغباتنا الشخصية. وبعد أن نقرر ما نؤمن به، نبدأ في استخدام ذكائنا للبحث عن الحجج التي تدعم ما اخترناه. وهذا ما يُعرف في علم النفس بـ»التحيّز التأكيدي»؛ أي الميل لتصديق ما يدعم وجهة نظرنا وتجاهل ما يخالفها.
المشكلة أن هذا النمط من التفكير لا يقتصر على عامة الناس، بل يمتد إلى العلماء والمثقفين وحتى صناع القرار. فقد أظهرت دراسة نشرتها مجلة -Behavioral and Brain Sciences – أن العلاقة بين مستوى الذكاء والقدرة على كشف التحيزات الذهنية ضعيفة جدًا، بل إن بعض الدراسات وجدت أن الأذكياء أكثر عرضة للثقة الزائدة بالنفس، مما يجعلهم أقل استعدادًا للاعتراف بالخطأ أو مراجعة قراراتهم.
وفي كتابه – The Intelligence Trap -، يوضح الصحفي العلمي ديفيد روبسون كيف أن الذكاء قد يتحول إلى فخ، حين يُستخدم في الدفاع عن معتقدات خاطئة أو في اتخاذ قرارات مالية ومهنية متهورة، فقط لأن صاحبه يثق كثيرًا بقدراته العقلية. بل وبيّن أن بعض المفكرين الكبار وقعوا في أخطاء جسيمة، ليس لأنهم أغبياء، بل لأنهم لم يشكوا في صحة أفكارهم بما فيه الكفاية.
إذن، ما الذي يمنع الإنسان من الوقوع في التحيز؟ الجواب ليس الذكاء وحده، بل الوعي الذاتي والتفكير النقدي والتواضع. فحين يدرك الإنسان أنه معرض للخطأ مهما بلغ من علم أو ذكاء، يصبح أكثر قدرة على مراجعة أفكاره، والانفتاح على الآراء الأخرى، والتعلم من تجاربه.
قد يكون الذكاء مفيدًا في حل المسائل الرياضية، أو فهم النظريات المعقدة، أو كتابة المقالات، لكنه ليس ضمانًا للقرار الصائب في الحياة اليومية. فكم من أناس بسطاء يمتلكون حسًّا سليمًا وبصيرة نادرة، وكم من عباقرة وقعوا في فخ الكِبر والثقة الزائدة.
في النهاية، ربما نحتاج أن نعيد تعريف الذكاء الحقيقي فهو لا يقتصر على سرعة الفهم أو قوة التحليل، بل يشمل أيضًا القدرة على الشك، والمراجعة، والاعتراف بأننا مهما كنا أذكياء لسنا دائمًا على صواب.
ahmadsinky@hotmail.com

هل كعكتك أفضل من كعكتي؟

تدخل إلى منزلك بعد عناء يوم طويل، لتستقبلك تلك الرائحة الزكية التي تستشعرها حواسك، ويترجمها عقلك بأنها كعكة فدج الشوكولاتة اللذيذة، لترتسم على محياك تلك الابتسامة العريضة، وتبدأ باستعراض سيناريوهات عديدة، ما الذي أود احتساءه معها؟ أكوب من القهوة السوداء الداكنة؟ أم كأساً دهاقاً من لذيذ كتب الشعر وأبياته التي تعزف أحاسيس مترفة، رقيقة؟، أو تستمع لحديثٍ يطرب مسمعك من أهلك وأحبائك أو تشاهد مسلسلاً تحبه وتسعد بحبكة قصته.. ولكن عندما تقدم لك قطعة الكعك على ذلك الصحن المزين بألوانه المذهّبة، تخطر على ذهنك فكرة شريرة! تدعى «ماذا لو؟»!
ماذا لو وضعتي قليلاً من سكر صبرك؟ ماذا لو أضفيتِ بعضاً من بريق وجهك؟ ماذا لو سكبتي الدفيء من احساسك؟ كيف سيكون طعمها؟ .. لماذا تستحل سرقة بعضي مني؟ لماذا تريد أن تزيد حلاوة كعكتك من دمي، وضياء وجهي؟ كلها إن أعجبتك، واستحسنت طعمها، أو اترك كعكتي كما هي تحفةً فنيةً لمن يستحقها فقط.. لن يشعر بغني طعمها إلا ذو ذائقة فريدة..
هناك وصفات لا تقبل أصالتها المس أو التعديل فتفقد هويتها… لا عيب في التعديل والتغيير ذاته، فهو من نتائج طبع الفضولية في البشر، ولكن لا تقتل اللحظة، فيما لا تستطيع قوى الدنيا أجمع، بإعادتها كما كانت، ولا حتى إعادتها بشكل آخر..
أما كان لك أنت تستمع بقطعة الكعك تلك؟ أم أن تلك الفكرة الشريرة كانت أقوى منك؟ لا تغضب إن لم يعجبك وصفها بالشريرة.. ولكنها لم تكن فكرة حسنة على الأقل.. فسمّها ما شئت عدا ذلك..
كثيرون هم المحللون حولنا، يمتازون بقوة الملاحظة، وحسن استقراء واستبصار الأمور، ولكن هل نحن أقوياء بما يكفي لتحمل ما سيخبروننا به؟ هل سيكون التوقيت مناسباً؟ هل نحن مستعدون لسماع الحقيقة؟ والسؤال الأخطر: هل نحن مستعدون لعواقب كشف الحقيقة؟.. ليس دائماً.. نعم ليس دائماً، في ميادين الأرقام، والعلوم، والفيزياء، والنقد، وأسواق المال، نعم، كشف الحقيقة بعواقبها وثمنها مهم جداً، ولكن في ميادين العلاقات، لا، الأمر مختلف، الرابح في ساحة الجدال قد يكون الخاسر الأكبر، هناك علاقات تصان، وأشخاص لا يتكررون، ليسوا لأنهم محور الحياة، بل لأنهم هم الحياة ذاتها لنا، هم النفْسُ والنَفَس.
قد يعارض كثيرون هذه الأفكار، ولكن التاريخ أثبت لي صحتها بالدليل القاطع، عندما نقلب دفتي التاريخ نجد أن للآثار عمقاً وقصةً وهوية، أما الآن وبدافع الحداثة والعصرية والموضة ومواكبة الحياة السريعة والصاخبة، اختفت النقوش والزخارف من تصاميم مدننا وبيوتنا، أصبحت متشابهة إن لم تكن متماثلة، لا ترمز لنا بشفرة مميزة خاصة بنا، ولا تحمل معانٍ سامية أصيلة عنا، لن تحمل قصتنا كاملة للقادم من بني أجيالنا، ولكن الأدب يتفوق على التاريخ، بأن له موهبة خاصة في قراءة شفرات ذات ترددات تشبه موجات الراديو، فهو ينقل صوراً وأحاسيس وعادات و شهد مفردات تحمل في طياتها عبق طيب عود مجالسٍ لم يدون التاريخ محاضر انعقادها، بل استأثر الشعر بها وحده فقط.
bshaleid@live.com

إيليا يبتسم

«كن بلسماً إن صار دهرك أرقما
وحلاوةً إن صار غيرك علقماً»
إيليا أبو ماضي.
في مساءٍ بهيج، وفي دار المشرافي، ذلك الصالون الثقافي الذي أصبح علامة ثابتة ومضيئة في المشهد الأدبي في المنطقة، وتحت مظلة جمعية الأدب المهنية التي باتت تؤسس بوضوح لدور نوعي في رعاية الأدب والأدباء، وضمن رؤية وزارة الثقافة المنسجمة مع مشروع رؤية المملكة 2030، التي لا تفصل بين التنمية والفكر، ولا بين المستقبل والخيال.. قدّمتُ ورقة بعنوان «سرديات البهجة: كيف يكتب الأدب حكاية السعادة؟»، وهي محاولة لتأريخ الفرح في الخطاب الأدبي، وتتبّع تجلياته عبر النصوص الأدبية .
لكن إيليا أبو ماضي، الشاعر الذي لا يغيب طويلًا عن مساحات البهجة، حضر متأخرًا و بعد نهاية الورقة، لا بجسده، بل عبر سؤال طرحه أحد الأدباء الضليعين بالشعر واللغة قائلًا:
لماذا لم تتطرقي إلى إيليا أبو ماضي؟ ذاك الشاعر الذي ارتبط اسمه بالفرح والتفاؤل واللغة البيضاء.
هل حقًا نسيتُ إيليا؟ الشاعر الذي قال:
أيّها الشاكي وما بك داء
كن جميلاً ترَ الوجودَ جميلا”
لم يكن السؤال مجرد ملاحظة نقدية، بل استدعاء حقيقي لشاعرٍ لطالما وقف في صفّ البهجة، وعارض كآبة العالم بمفردات ناعمة، ووعي عميق.
وعدتُ الأديب بأن أعود إلى إيليا وأكتب عنه، ولم يكن وعدًا عابرًا. شعرت أنني مدعوة، لا لكتابة مقال، بل لتسديد دين أدبي.
فشاعر مثل أبو ماضي لا يُذكر على الهامش، بل هو المتن. لم يُذكر في ورقتي، لكنه كان بين السطور، في نبرة صوتي، في اختياراتي اللغوية، وفي قراري أن أكون -بوضوح- في صف البهجة، لا في طابور الحزن الممتد ..
وإذ أكتب الآن عنه، أشعر أنه لا يزال يبتسم خلف بيت قاله، ولم ينتبه له كثيرون:
«فاضحك فإنّ الشهب تضحك والدجى
متلاطمٌ، ولذا نحب الأنجما»
ثم يُردف:
«قال: البشاشة ليس تسعد كائنًا.. يأتي إلى الدنيا ويذهب مرغمًا»
«قلت: ابتسم ما دام بينك والردى.. شِبر، فإنّك بعد لن تبتسمَا»
ربما لم أستدعِ إيليا في ورقتي، لكن.. هو من استدعاني إلى هذا النص.
وللحديث بقية يا صديقي.
raedaalsaba@gmail.com

سمفونية الحياة العجيبة

كتبتُ تغريدة الصباح وأرسلتها وبينما كنت أنتظر أن تُنشر على حسابي ظهر لي فيديو لجارة القمر» فيروز» تبكي فقيدها بلحن حزين، استمعت لعِبَاراتها وعَبَاراتها فجاشت مخيلتي بأقاربي الأموات وانحدرت الدمعات متلاحقة ثم انهمرت عندما ثبتت صورة والدي وأخي صلاح – رحمهما الله – لوهلة رافضة طيوفهما أن تغادرني.
هذا الموقف الدامع ارتحل بي إلى سمفونية الحياة العجيبة التي تحدث في جسد الإنسان الذي لا يبقى على حال ولا ينصاع لكل جولات منازلة العمر، فالعين مثلا بعد عمر معين يحدث في معادلات نظرها خلل فهي إما لاترى القريب بوضوح أو لاترى القريب والبعيد معا و قد يُستثنى من ذلك من عاش بعيدا عن معاقرة الهاتف ومن مد في كل آن بصره إلى أبعد نقطة قد يصل إليها ليُرجع بصره ثم يطلقه تارة أخرى ، كالقلب مثلا قد يبقى فتيا خاليا من الأمراض لا يخل انضباط نبضاته داء الضغط أو مرض ما ولكن أحداث الزمن حفرت في قلبه آثار بقت شاهدة على معاناة غيرت شكله بطريقة ما ، كالعقل وإن سلم من الزهايمر تأتيه نوبات نسيان أو وقفات تسيطر عليها الأحزان أو مواقف تجعله يستعجب من أحوال الأقارب والأخلال فيصيبه من التغير مع تقدم العمر شيئا ما ، الجسد بكامله وإن أجرى من عمليات التجميل الصغرى أو الكبرى ما أجرى تشيخ فيه الأعضاء حتى من وهبهم الله بهيئة لاتبوح بعمرهم هناك دائما في جسدهم من سيفشي سرهم بطريقة ما.
ويبقى الصوت رفيق لا يتغير هذا ما لحظته خبراتي ؛ فقد يتغير شكل الشخص وقد تنسى اسمه و تتشكك عند رؤية ملامحه ولكن الصوت بنبرته المميزة دوما هو الدليل القائد لصاحبه ، ويحدث أن يلتبس عليك الصوت ولكن بعد وهلة تكتشف موطن الشبه فتصوب لبسك، هكذا كان صوت فيروز مضى من عمرها ما مضى وبقى صوتها بنبرته رفيق شاهد عليها و بإحساسه يقودك إليها.
*أظنها حقيقة : يموت الأموات حقا عندما لايجدون من يدعو لهم
ishe333@gmail.com

دماءٌ على نعليه

aldabaan@hotmail.com

يشتكي البعض من مشاكل مالية فتجده يسأل كل أحد ولكن لا يسأل من بيده رزق كل أحد. يبحث شاب عن الوظيفة فتجده يطرق باب بمن يستحق ومن لا يستحق ولكن رب العالمين لا يتوجه إليه.

عندما نقرأ سيرة سيد الخلق صلى الله عليه وعلى آله وسلم، نجد تواصلاً مع ربه في كل الأوقات، ومن ذلك ما حدث في تلك القصة المؤلمة عندما خرج النبي صلى الله عليه وسلم ماشياً إلى الطائف، ومعه زيد بن حارثة، وكان كلما مر على قبيلة دعاهم، فلم يستجب له أحد.

حتى انتهى إلى الطائف فقابل ثلاثة إخوة من رؤساء ثقيف، وهم عبد ياليل ومسعود وحبيب أبناء عمرو الثقفي، فجلس إليهم ودعاهم إلى الله ونصرة الإسلام، فقال أحدهم: هو يَمْرُط (يمزق) ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك.

وقال الآخر: أما وَجَدَ الله أحداً غيرك، وقال الثالث: والله لا أكلمك أبداً، إن كنت رسولاً لأنت أعظم خطراً من أن أرد عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي أن أكلمك.

فقام عنهم متألماً وقال: “إذ فعلتم ما فعلتم فاكتموا عني”. وأقام صلى الله عليه وسلم بين أهل الطائف عشرة أيام، لا يدع أحداً من أشرافهم إلا جاءه وكلمه، فقالوا: اخرج من بلادنا، وأغروا به سفهاءهم، فلما أراد الخروج تبعه سفهاؤهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به، حتى وقفوا له صفين وجعلوا يرمونه بالحجارة، وبكلمات من السفه، ورجموا عراقيبه، حتى اختضب نعلاه بالدماء.

وكان زيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى أصابه شِجَاج في رأسه، ولم يزل به السفهاء كذلك حتى ألجأوه إلى حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة على ثلاثة أميال من الطائف، فلما التجأ إليه رجعوا عنه، وهنا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت حُبْلَة من عنب مرهقاً متعباً متألماً، ورفع رأسه إلى السماء قائلاً بدعاء مؤثر: “اللهم إليك أشكو ضَعْف قُوَّتِي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تَكِلُني؟ إلى بعيد يَتَجَهَّمُنِي؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك، أو يحل علي سَخَطُك، لك العُتْبَى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك”.

إلى من تكلني؟

بين السقوط والصعود.. عقلية تصنع الفارق

في كل مرة نواجه فيها تحديًا، هناك سؤال خفي يمر دون أن ننتبه له:
هل أستطيع أن أتحسن، أم أنني ببساطة لست جيدًا بما فيه الكفاية؟
هنا يبدأ جوهر كتاب «العقلية» لعالمة النفس كارول دويك، لكنه لا ينتهي هناك.
الكتاب لا يعطي وعود النجاح، بل يزرع بذور تحول داخلي: كيف نرى أنفسنا؟ كيف نفسّر الفشل؟ وكيف نربي أبناءنا وندير موظفينا؟
تعود طفلة تبلغ التاسعة من عمرها من المدرسة، وقد حصلت على 7 من 10 في اختبار الرياضيات، فتقول لها والدتها: أنت فتاة ذكية، كيف حصلتِ على هذه الدرجة؟ فتشعر الفتاة بالذنب وتبدأ في الشك في قدرتها، بينما حين تقول الأم لها: لقد رأيتِ أنكِ بذلت جهدا كبيرا وأحسنتِ المحاولة، لذا ما رأيك لو أننا جلسنا سوياً لنكتشف الأخطاء التي وقعت بها لكي لا تتكرر عليك مرة أخرى.
في إحدى المدارس الفنلندية، شجّع المعلم تلاميذه على عرض أخطائهم في لوحة «أجمل خطأ لهذا الأسبوع»، ليشرحوا كيف تعلّموا من أخطائهم، والنتيجة؟ تحوّل الصف إلى بيئة آمنة تحفّز على المحاولة والتجربة، بدلًا من الخوف من الخطأ، فحين يدرك الطالب أن الخطأ ليس نهاية المطاف، بل جزء من الرحلة، فإن ثقته بنفسه تتضاعف، ويصبح أكثر استعدادًا للمبادرة والمغامرة الفكرية.
وفي شركة ناشئة ارتكب موظف شاب، خطأً مكلفًا في عرض بيانات مالية، وبدلاً من توبيخه أو تهميشه، جمعه مديره مع الفريق، وطلب منه عرض ما تعلّمه، وكيف سيمنع تكرار الخطأ، تحوّل الخطأ إلى ورشة تطوير، وخرج الجميع بفهم أفضل، واستمر الموظف في النمو داخل الشركة ليصبح قائدًا لقسمه بعد عامين، فالبيئة التي تشجع على النمو لا تطرد من يخطئ، بل تُخرج منه أفضل ما لديه.
وهنا نلخص ما ذكرناه، لنقول، ابدأ بخطوات عملية من اليوم لتغير بها نمط تفكيرك، منها بدّل لغتك اليومية، فبدلًا من تقول : أنا سيئ في هذا الشيء، قل: أنا أتعلم كيف أتحسن فيه، ومن ذلك أيضاً، امدح الجهد لا النتيجة، فقل لطفلك: أعجبني مثابرتك، بدلًا من تقول له: أنت عبقري، وكذلك، حوّل الفشل إلى درس، اجعل لكل خطأ سؤالًا: ما الذي كان يمكن أن أفعله بطريقة مختلفة؟
وخلاصة القول، لنعلم أن الظروف ليست هي من يحدد مصيرنا، بل الطريقة التي نستجيب بها لها.
azmani21@hotmail.com

الفضول فطرة نرتقي بها أم منزلق نهوي من خلاله

لماذا نحب أن نعرف؟

هل حبّ المعرفة منقبة أم مذمّة؟

وهل هناك معارف تُحمَد، وأخرى تُذم؟

وهل الفضول فطرة راسخة في النفس، أم مجرّد ضعف متخفي؟

كيف يتكون الفضول لدى الانسان وفي أي مرحلة من مراحل حياته يصبح فضولي؟

لكل إنسان غرائز نفسية، تنمو أو تنكمش بحسب وعيه وطريقة إدارته لها. وتلك الغرائز، وإن اختلفت بين الناس، إلا أنها تشترك في كونها متجددة في أشكالها، ومن أبرزها: غريزة الفضول.

الفضول نزعة فطرية تولد مع الإنسان، وتظهر منذ سنواته الأولى، حين يبدأ بالتعرّف على العالم مستخدمًا حواسه كلها: يتلمس، يجرّب، يسأل، ويستكشف. وتظل هذه الغريزة حاضرة فيه حتى الكِبَر، وإن اختلفت صورها وتوجهاتها.

يقول العالم جيم الخليلي في كتابه متعة العلم:

“كلّنا نواجه أشياء في حياتنا لا نفهمها، سواء كانت جديدة أو غير متوقعة. هذا ليس شيئًا نندبه أو نخافه. مواجهة الأشياء المجهولة أمر طبيعي، ولست بحاجة إلى الهروب. الفضول هو جوهر العلم، وكذا السؤال والرغبة في المعرفة. لقد وُلدنا جميعًا علماء كأطفال، نتعلّم فهم عالمنا من خلال الاستكشاف وطرح الأسئلة طوال الوقت.”

والفضول ليس واحدًا، بل هو نوعان:

​•​الأول: فضول يتجه نحو تتبّع الناس، خصوصًا في أخبارهم السيئة، لا رغبة في المعرفة، بل لمجرد الشعور بالسبق أو التباهي. هذا الفضول يُرضي النفس السطحية، لكنه يُعد سلوكًا غير محمود، لأنه يقوم على تتبّع عثرات الآخرين والانشغال بعيوبهم، ولا يفيد صاحبه من تلك المعارف التي يتتبعها انما هو اشغال نفسه بأمر لا عائد منه.

​•​الثاني: هو الفضول المعرفي، الذي يدفع صاحبه إلى البحث، والسؤال، والتفكير، ومحاولة الفهم. وهذا النوع هو الذي يُبقي العقل حيًا، ويمنح صاحبه قدرة على التطور. وفي هذا النوع يتفاوت الناس: فمنهم من يشتعل فضوله طلبًا للعلم، ومنهم من يعتدل، وآخر لا يحرك فيه السؤال ساكنًا.

ولولا هذا النوع من الفضول، لظلت الحركة العلمية راكدة، ولما ظهرت النظريات، ولا تأسست المعارف. فبفضله، اشتعلت عقول العلماء، ونشأت الاكتشافات، وتقدّمت الحضارات.

وفي النهاية، كيف نوجّه فضولنا؟

أنجعله سُلّمًا نرتقي به، ونتعلّم من خلاله ما هو مفيد؟ أم نتركه منزلقًا نحو تتبّع عثرات الآخرين، فنفقد بذلك قيمته، ونتحوّل إلى مجرد مراقبين للزلات.

وتنسج الأرض حكاياتها

تتراقص النجمة جارة القمر فتهبه ضوءا على ضوء، كأنهما ينسجان معا لوحة سماوية تتغير ألوانها كل لحظة.
تحت هذا العرض البهي، تنسج الأرض حكاياتها. حكايات ترويها الرياح للأشجار، وتكتبها الأمواج على صفحات البحر كأن الكون كله في انسجام، كل جزء يكمل الآخر، وكل مشهد يحمل رسالة أبدية من الجمال والسكينة.
هناك في ذاك المشهد، تتقاطع العوالم: عالم البشر. عالم النجوم، وعالم الطبيعة. في تلك اللحظة، يبدو أن كل شيء في مكانه الصحيح، وأننا لسنا سوى شهود على خلق الله العظيم. مسرحية أبدية عنوانها “الانسجام”، وكتب فصولها الخالق الكريم.
وفي تلك اللحظة، يتنفس الكون بسلام، ليشعر المرء وكأن الزمن توقف. يصبح كل شيء واضحا، وتغدو الحياة أكثر هدوءا.
قد نبحث عن السكون في صخب الأيام لكن الله يعلمنا أن هناك جمالا في التوازن، وأن الراحة تكمن في اللحظات الصادقة التي نعيشها.
في تلك اللحظات، يشعر الإنسان أنه جزء من هذا الكون الواسع، ليس مجرد كائن عابر، بل روح متصلة بكل ما حولها. تتسلل السكينة إلى أعماقه، ويجد في قلبه مساحة للسلام الداخلي، فكل نجم، وكل نسمة، وكل أمواج البحر تهمس له برسائل العظمة والجمال التي لا نهاية لها.
تلك اللحظات تذكرنا بأن الحياة ليست فقط في العمل والإنجاز بل في الاستمتاع باللحظات التي تتناغم فيها الأرواح مع الكون، وتستشعر أن كل شيء في مكانه، وأننا نعيش في تناغم مع ما حولنا.
alfaleh222@yahoo.com

مفهوم السعادة الوظيفية

في ظل التحديات التنافسية التي تواجهها منشآت القطاع الخاص في المحافظة على الموظفين، ومع تطور ممارسات إدارة الموارد البشرية على الصعيد العالمي، نجد أن هناك حاجة إلى تبني مفاهيم أكثر شمولية لتحسين بيئة العمل والمحافظة على استقرار الموظفين بالإضافة لتعزيز رفاهيتهم، وأحد تلك المفاهيم هي «السعادة الوظيفية»، وفي هذا المقال سأتطرق لأهمية تطبيق «السعادة الوظيفية» داخل بيئة العمل، مع تحليل الآثار الإيجابية لهذا التوجه واقتراح آليات لتشجيعه.
هناك قاعدة عامة مهمة في قطاع الأعمال وهي «ما لا تستطيع قياسه لا يمكنك إدارته، وما لا تستطيع إدارته لا يمكنك تطويره»، ولذلك نجد أن العديد من منشآت القطاع الخاص ليس لديها القدرة على المحافظة على استقرار الموظفين فيها خاصة الكفاءات، ومن الأسباب الرئيسية لذلك عدم القدرة على «قياس وتحليل احتياجات الموظفين»، سواء كان ذلك احتياجات «نفسية، اجتماعية، مهنية»، ولهذا السبب نجد عدم استقرار للموظفين في تلك المنشآت، مما يؤثر سلباً علـى استقرار العمل وتتكبد تلك المنشآت تكاليف إضافية مرتفعة تُعرف بـ «تكلفة استبدال الموظفين».
من جانب آخر؛ المنشآت التي تهتم في «قياس وتحليل احتياجات موظفيها» نجد فيها قصص نجاح عديدة بالإضافة لارتفاع في مؤشرات استقرار الموظفين والقابلية لجذب الكفاءات بشكل أكبر من غيرها، سواء كان ذلك من خلال تعيين مسؤول عن «السعادة الوظيفية» أو إضافة مهام خاصة في هذا الجانب من ضمن مهام إدارات الموارد البشرية، والأثر الناتج من هذا التوجه هو خلق بيئة عمل إيجابية تقلل من التوتر والضغوط، وتعزيز التواصل الفعال بين الموظفين وإدارة المنشأة، بالإضافة لرفع مستويات الإنتاجية والابتكار، حيث أثبتت العديد من الدراسات أن الموظفين السعداء أكثر إنتاجية، والرضا الوظيفي يحفز الإبداع والولاء التنظيمي مما يعزز من الميزة التنافسية للمنشأة، وباختصار نجد أن المنشآت التي تتبنى ثقافة السعادة الوظيفية تكتسب سمعة طيبة في سوق العمل، مما يجذب الكفاءات ويرفع من قيمة سمعتها التجارية كبيئة عمل جاذبة ومفضلة.
للأسف تعتقد الكثير من المنشآت بأن تطبيق مفهوم «السعادة الوظيفية» يتطلب موارد ضخمة وهيكلة معقدة، وهذا الاعتقاد غير صحيح، لأن في الواقع يمكن تنفيذ هذا التوجه بخطوات بسيطة ومرنة وسهلة التطبيق دون تعقيدات إدارية أو مالية، وكوجهة نظر شخصية يمكن البدء فى ذلك من خلال تعيين «مسؤول السعادة الوظيفية» حتى لو كان ذلك بدوام جزئي، أو اختيار أحد الموظفين في المنشأة ليتولى هذا الدور جزئياً، وتكون أحد أدواره الرئيسية العمل مع الإدارات المختلفة لإنشاء بيئة عمل إيجابية وصحية للموظفين.
ومن ثم يتم البدء في تصميم سياسات مرنة تدعم التوازن بين الحياة العملية والشخصية للموظفين، وتنظيم أنشطة وفعاليات ومبادرات بسيطة لتعزيز الروح المعنوية للموظفين والاحتفاء بهم، وأيضاً من خلال تطبيق استبيانات بسيطة بشكل دوري لقياس السعادة الوظيفية مع أهمية تحليل النتائج واتخاذ الاجراءات السريعة وتحديد المجالات التي يمكن تحسينها، بالإضافة لعقد لقاءات دورية مفتوحة مع الإدارة العليا للاستماع إلى مقترحات الموظفين.
ختاماً؛ قياس وتحليل احتياجات الموظفين من خلال تبني مفهوم «السعادة الوظيفية» ليس رفاهية، بل يعتبر استثمار ذو عوائد ملموسة على الموظفين والمنشآت وسوق العمل بشكل عام، وتطبيق مفهوم «السعادة الوظيفية» ليس معقداً، بل يعتمد على الاستماع الجيد والمبادرات الذكية والالتزام بالتغيير التدريجي، ولذلك يمكن القول بأن السعادة الوظيفية ليست مجرد شعار، بل تعتبر فلسفة إدارية ستحدد مستقبل بيئات العمل وبشكل مُلفت خلال الفترة القادمة.
مستشار موارد بشرية
khaled@econsult.com.sa