تدخل إلى منزلك بعد عناء يوم طويل، لتستقبلك تلك الرائحة الزكية التي تستشعرها حواسك، ويترجمها عقلك بأنها كعكة فدج الشوكولاتة اللذيذة، لترتسم على محياك تلك الابتسامة العريضة، وتبدأ باستعراض سيناريوهات عديدة، ما الذي أود احتساءه معها؟ أكوب من القهوة السوداء الداكنة؟ أم كأساً دهاقاً من لذيذ كتب الشعر وأبياته التي تعزف أحاسيس مترفة، رقيقة؟، أو تستمع لحديثٍ يطرب مسمعك من أهلك وأحبائك أو تشاهد مسلسلاً تحبه وتسعد بحبكة قصته.. ولكن عندما تقدم لك قطعة الكعك على ذلك الصحن المزين بألوانه المذهّبة، تخطر على ذهنك فكرة شريرة! تدعى «ماذا لو؟»!
ماذا لو وضعتي قليلاً من سكر صبرك؟ ماذا لو أضفيتِ بعضاً من بريق وجهك؟ ماذا لو سكبتي الدفيء من احساسك؟ كيف سيكون طعمها؟ .. لماذا تستحل سرقة بعضي مني؟ لماذا تريد أن تزيد حلاوة كعكتك من دمي، وضياء وجهي؟ كلها إن أعجبتك، واستحسنت طعمها، أو اترك كعكتي كما هي تحفةً فنيةً لمن يستحقها فقط.. لن يشعر بغني طعمها إلا ذو ذائقة فريدة..
هناك وصفات لا تقبل أصالتها المس أو التعديل فتفقد هويتها… لا عيب في التعديل والتغيير ذاته، فهو من نتائج طبع الفضولية في البشر، ولكن لا تقتل اللحظة، فيما لا تستطيع قوى الدنيا أجمع، بإعادتها كما كانت، ولا حتى إعادتها بشكل آخر..
أما كان لك أنت تستمع بقطعة الكعك تلك؟ أم أن تلك الفكرة الشريرة كانت أقوى منك؟ لا تغضب إن لم يعجبك وصفها بالشريرة.. ولكنها لم تكن فكرة حسنة على الأقل.. فسمّها ما شئت عدا ذلك..
كثيرون هم المحللون حولنا، يمتازون بقوة الملاحظة، وحسن استقراء واستبصار الأمور، ولكن هل نحن أقوياء بما يكفي لتحمل ما سيخبروننا به؟ هل سيكون التوقيت مناسباً؟ هل نحن مستعدون لسماع الحقيقة؟ والسؤال الأخطر: هل نحن مستعدون لعواقب كشف الحقيقة؟.. ليس دائماً.. نعم ليس دائماً، في ميادين الأرقام، والعلوم، والفيزياء، والنقد، وأسواق المال، نعم، كشف الحقيقة بعواقبها وثمنها مهم جداً، ولكن في ميادين العلاقات، لا، الأمر مختلف، الرابح في ساحة الجدال قد يكون الخاسر الأكبر، هناك علاقات تصان، وأشخاص لا يتكررون، ليسوا لأنهم محور الحياة، بل لأنهم هم الحياة ذاتها لنا، هم النفْسُ والنَفَس.
قد يعارض كثيرون هذه الأفكار، ولكن التاريخ أثبت لي صحتها بالدليل القاطع، عندما نقلب دفتي التاريخ نجد أن للآثار عمقاً وقصةً وهوية، أما الآن وبدافع الحداثة والعصرية والموضة ومواكبة الحياة السريعة والصاخبة، اختفت النقوش والزخارف من تصاميم مدننا وبيوتنا، أصبحت متشابهة إن لم تكن متماثلة، لا ترمز لنا بشفرة مميزة خاصة بنا، ولا تحمل معانٍ سامية أصيلة عنا، لن تحمل قصتنا كاملة للقادم من بني أجيالنا، ولكن الأدب يتفوق على التاريخ، بأن له موهبة خاصة في قراءة شفرات ذات ترددات تشبه موجات الراديو، فهو ينقل صوراً وأحاسيس وعادات و شهد مفردات تحمل في طياتها عبق طيب عود مجالسٍ لم يدون التاريخ محاضر انعقادها، بل استأثر الشعر بها وحده فقط.
bshaleid@live.com
إيليا يبتسم
«كن بلسماً إن صار دهرك أرقما
وحلاوةً إن صار غيرك علقماً»
إيليا أبو ماضي.
في مساءٍ بهيج، وفي دار المشرافي، ذلك الصالون الثقافي الذي أصبح علامة ثابتة ومضيئة في المشهد الأدبي في المنطقة، وتحت مظلة جمعية الأدب المهنية التي باتت تؤسس بوضوح لدور نوعي في رعاية الأدب والأدباء، وضمن رؤية وزارة الثقافة المنسجمة مع مشروع رؤية المملكة 2030، التي لا تفصل بين التنمية والفكر، ولا بين المستقبل والخيال.. قدّمتُ ورقة بعنوان «سرديات البهجة: كيف يكتب الأدب حكاية السعادة؟»، وهي محاولة لتأريخ الفرح في الخطاب الأدبي، وتتبّع تجلياته عبر النصوص الأدبية .
لكن إيليا أبو ماضي، الشاعر الذي لا يغيب طويلًا عن مساحات البهجة، حضر متأخرًا و بعد نهاية الورقة، لا بجسده، بل عبر سؤال طرحه أحد الأدباء الضليعين بالشعر واللغة قائلًا:
لماذا لم تتطرقي إلى إيليا أبو ماضي؟ ذاك الشاعر الذي ارتبط اسمه بالفرح والتفاؤل واللغة البيضاء.
هل حقًا نسيتُ إيليا؟ الشاعر الذي قال:
أيّها الشاكي وما بك داء
كن جميلاً ترَ الوجودَ جميلا”
لم يكن السؤال مجرد ملاحظة نقدية، بل استدعاء حقيقي لشاعرٍ لطالما وقف في صفّ البهجة، وعارض كآبة العالم بمفردات ناعمة، ووعي عميق.
وعدتُ الأديب بأن أعود إلى إيليا وأكتب عنه، ولم يكن وعدًا عابرًا. شعرت أنني مدعوة، لا لكتابة مقال، بل لتسديد دين أدبي.
فشاعر مثل أبو ماضي لا يُذكر على الهامش، بل هو المتن. لم يُذكر في ورقتي، لكنه كان بين السطور، في نبرة صوتي، في اختياراتي اللغوية، وفي قراري أن أكون -بوضوح- في صف البهجة، لا في طابور الحزن الممتد ..
وإذ أكتب الآن عنه، أشعر أنه لا يزال يبتسم خلف بيت قاله، ولم ينتبه له كثيرون:
«فاضحك فإنّ الشهب تضحك والدجى
متلاطمٌ، ولذا نحب الأنجما»
ثم يُردف:
«قال: البشاشة ليس تسعد كائنًا.. يأتي إلى الدنيا ويذهب مرغمًا»
«قلت: ابتسم ما دام بينك والردى.. شِبر، فإنّك بعد لن تبتسمَا»
ربما لم أستدعِ إيليا في ورقتي، لكن.. هو من استدعاني إلى هذا النص.
وللحديث بقية يا صديقي.
raedaalsaba@gmail.com
سمفونية الحياة العجيبة
كتبتُ تغريدة الصباح وأرسلتها وبينما كنت أنتظر أن تُنشر على حسابي ظهر لي فيديو لجارة القمر» فيروز» تبكي فقيدها بلحن حزين، استمعت لعِبَاراتها وعَبَاراتها فجاشت مخيلتي بأقاربي الأموات وانحدرت الدمعات متلاحقة ثم انهمرت عندما ثبتت صورة والدي وأخي صلاح – رحمهما الله – لوهلة رافضة طيوفهما أن تغادرني.
هذا الموقف الدامع ارتحل بي إلى سمفونية الحياة العجيبة التي تحدث في جسد الإنسان الذي لا يبقى على حال ولا ينصاع لكل جولات منازلة العمر، فالعين مثلا بعد عمر معين يحدث في معادلات نظرها خلل فهي إما لاترى القريب بوضوح أو لاترى القريب والبعيد معا و قد يُستثنى من ذلك من عاش بعيدا عن معاقرة الهاتف ومن مد في كل آن بصره إلى أبعد نقطة قد يصل إليها ليُرجع بصره ثم يطلقه تارة أخرى ، كالقلب مثلا قد يبقى فتيا خاليا من الأمراض لا يخل انضباط نبضاته داء الضغط أو مرض ما ولكن أحداث الزمن حفرت في قلبه آثار بقت شاهدة على معاناة غيرت شكله بطريقة ما ، كالعقل وإن سلم من الزهايمر تأتيه نوبات نسيان أو وقفات تسيطر عليها الأحزان أو مواقف تجعله يستعجب من أحوال الأقارب والأخلال فيصيبه من التغير مع تقدم العمر شيئا ما ، الجسد بكامله وإن أجرى من عمليات التجميل الصغرى أو الكبرى ما أجرى تشيخ فيه الأعضاء حتى من وهبهم الله بهيئة لاتبوح بعمرهم هناك دائما في جسدهم من سيفشي سرهم بطريقة ما.
ويبقى الصوت رفيق لا يتغير هذا ما لحظته خبراتي ؛ فقد يتغير شكل الشخص وقد تنسى اسمه و تتشكك عند رؤية ملامحه ولكن الصوت بنبرته المميزة دوما هو الدليل القائد لصاحبه ، ويحدث أن يلتبس عليك الصوت ولكن بعد وهلة تكتشف موطن الشبه فتصوب لبسك، هكذا كان صوت فيروز مضى من عمرها ما مضى وبقى صوتها بنبرته رفيق شاهد عليها و بإحساسه يقودك إليها.
*أظنها حقيقة : يموت الأموات حقا عندما لايجدون من يدعو لهم
ishe333@gmail.com
دماءٌ على نعليه
يشتكي البعض من مشاكل مالية فتجده يسأل كل أحد ولكن لا يسأل من بيده رزق كل أحد. يبحث شاب عن الوظيفة فتجده يطرق باب بمن يستحق ومن لا يستحق ولكن رب العالمين لا يتوجه إليه.
عندما نقرأ سيرة سيد الخلق صلى الله عليه وعلى آله وسلم، نجد تواصلاً مع ربه في كل الأوقات، ومن ذلك ما حدث في تلك القصة المؤلمة عندما خرج النبي صلى الله عليه وسلم ماشياً إلى الطائف، ومعه زيد بن حارثة، وكان كلما مر على قبيلة دعاهم، فلم يستجب له أحد.
حتى انتهى إلى الطائف فقابل ثلاثة إخوة من رؤساء ثقيف، وهم عبد ياليل ومسعود وحبيب أبناء عمرو الثقفي، فجلس إليهم ودعاهم إلى الله ونصرة الإسلام، فقال أحدهم: هو يَمْرُط (يمزق) ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك.
وقال الآخر: أما وَجَدَ الله أحداً غيرك، وقال الثالث: والله لا أكلمك أبداً، إن كنت رسولاً لأنت أعظم خطراً من أن أرد عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي أن أكلمك.
فقام عنهم متألماً وقال: “إذ فعلتم ما فعلتم فاكتموا عني”. وأقام صلى الله عليه وسلم بين أهل الطائف عشرة أيام، لا يدع أحداً من أشرافهم إلا جاءه وكلمه، فقالوا: اخرج من بلادنا، وأغروا به سفهاءهم، فلما أراد الخروج تبعه سفهاؤهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به، حتى وقفوا له صفين وجعلوا يرمونه بالحجارة، وبكلمات من السفه، ورجموا عراقيبه، حتى اختضب نعلاه بالدماء.
وكان زيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى أصابه شِجَاج في رأسه، ولم يزل به السفهاء كذلك حتى ألجأوه إلى حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة على ثلاثة أميال من الطائف، فلما التجأ إليه رجعوا عنه، وهنا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت حُبْلَة من عنب مرهقاً متعباً متألماً، ورفع رأسه إلى السماء قائلاً بدعاء مؤثر: “اللهم إليك أشكو ضَعْف قُوَّتِي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تَكِلُني؟ إلى بعيد يَتَجَهَّمُنِي؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك، أو يحل علي سَخَطُك، لك العُتْبَى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك”.
إلى من تكلني؟
بين السقوط والصعود.. عقلية تصنع الفارق
في كل مرة نواجه فيها تحديًا، هناك سؤال خفي يمر دون أن ننتبه له:
هل أستطيع أن أتحسن، أم أنني ببساطة لست جيدًا بما فيه الكفاية؟
هنا يبدأ جوهر كتاب «العقلية» لعالمة النفس كارول دويك، لكنه لا ينتهي هناك.
الكتاب لا يعطي وعود النجاح، بل يزرع بذور تحول داخلي: كيف نرى أنفسنا؟ كيف نفسّر الفشل؟ وكيف نربي أبناءنا وندير موظفينا؟
تعود طفلة تبلغ التاسعة من عمرها من المدرسة، وقد حصلت على 7 من 10 في اختبار الرياضيات، فتقول لها والدتها: أنت فتاة ذكية، كيف حصلتِ على هذه الدرجة؟ فتشعر الفتاة بالذنب وتبدأ في الشك في قدرتها، بينما حين تقول الأم لها: لقد رأيتِ أنكِ بذلت جهدا كبيرا وأحسنتِ المحاولة، لذا ما رأيك لو أننا جلسنا سوياً لنكتشف الأخطاء التي وقعت بها لكي لا تتكرر عليك مرة أخرى.
في إحدى المدارس الفنلندية، شجّع المعلم تلاميذه على عرض أخطائهم في لوحة «أجمل خطأ لهذا الأسبوع»، ليشرحوا كيف تعلّموا من أخطائهم، والنتيجة؟ تحوّل الصف إلى بيئة آمنة تحفّز على المحاولة والتجربة، بدلًا من الخوف من الخطأ، فحين يدرك الطالب أن الخطأ ليس نهاية المطاف، بل جزء من الرحلة، فإن ثقته بنفسه تتضاعف، ويصبح أكثر استعدادًا للمبادرة والمغامرة الفكرية.
وفي شركة ناشئة ارتكب موظف شاب، خطأً مكلفًا في عرض بيانات مالية، وبدلاً من توبيخه أو تهميشه، جمعه مديره مع الفريق، وطلب منه عرض ما تعلّمه، وكيف سيمنع تكرار الخطأ، تحوّل الخطأ إلى ورشة تطوير، وخرج الجميع بفهم أفضل، واستمر الموظف في النمو داخل الشركة ليصبح قائدًا لقسمه بعد عامين، فالبيئة التي تشجع على النمو لا تطرد من يخطئ، بل تُخرج منه أفضل ما لديه.
وهنا نلخص ما ذكرناه، لنقول، ابدأ بخطوات عملية من اليوم لتغير بها نمط تفكيرك، منها بدّل لغتك اليومية، فبدلًا من تقول : أنا سيئ في هذا الشيء، قل: أنا أتعلم كيف أتحسن فيه، ومن ذلك أيضاً، امدح الجهد لا النتيجة، فقل لطفلك: أعجبني مثابرتك، بدلًا من تقول له: أنت عبقري، وكذلك، حوّل الفشل إلى درس، اجعل لكل خطأ سؤالًا: ما الذي كان يمكن أن أفعله بطريقة مختلفة؟
وخلاصة القول، لنعلم أن الظروف ليست هي من يحدد مصيرنا، بل الطريقة التي نستجيب بها لها.
azmani21@hotmail.com
من سيرتدي قبعة النجاح؟
قبعة النجاح، الجائزة التي سيحصل عليها الفائز في مسابقة الانتصار، ويخوض التعاون، النرجسية، التوازن الغمار للفوز.
التعاون، المنافس الأول الذي يسعى لتحقيق الفوز عبر المشاركة بين الأفراد، وإبراز المهارات عبر تكاملها لإكمال الناقص منها لتتحد في صورةٍ تركيبية يجعلها الإتحاد أقوى، وتمنح فرصةً أفضل؛ فمهارات الكتابة الإبداعية تحتاج إلى مهارات التقنية الحديثة لتصنع لوحة معلومات تترجم الأرقام إلى معنى بصورةٍ كتابية فنانة، ولكن، بعض التصرفات الخاطئة تمنع الدمج بين المهارات فتظهر الفجوات التي تحد من جودة العمل فلذلك فالتعاون لا يستطيع الفوز
النرجسية، المنافس الثاني الذي يؤمن بتوحيد المهارات، وأن يمتلك الفرد قدرات متعددة، فمن يستطيع أن يمتلك تجميع الخبرات سيربح؛ لأنه سيصنع جبلًا يُرَاكِمُ بين أحجاره كنزًا ثمينًا يغني صاحبه عن الحاجة إلى البحث عمَّن سيستكملون ما يريد القيام به، ولكن حمل كل هذه المهارات رغم روعتها يثقل موازين الأداء، فالشخص يمتلك يدين لا عشرًا، فقد يتعمق الشخص في تخصصه، ولكنه لا يستطيع أخذ معرفة جميع التخصصات، وبهذا خرجت النرجسية من المنافسة.
التوازن، المنافس الثالث الوحيد، والذي شاهد ما حصل بين سابقيه المنافِسَين، فجلس في المنتصف، وأجلس التعاون مع النرجسية أمامه، وزرع بذرةً حفر لها التعاون، وسقتها النرجسية، ونمت الذرة تحمل المهارات اللازمة للنمو، وتقف أمام أعين الآخرين، ويساعدها التعاون على تطوير نفسها بمنحها سمادًا أفضل في مشهدٍ مبهر، فالإنسان يحتاج إلى تطوير مهاراته المهنية، الشخصية، والاجتماعية، ويحتاج إلى أخذ الدعم ممن هم ذو كفاءة، وينهل من خبراتهم ما ينعش مهاراته، ويسد احتياجاته، ويبحث عمَّا يرغب في تعلمه.
حانت اللحظة الحاسمة وخرجت القبعة، وقفزت على رأس التوازن، وفاز في المسابقة، وشاركه المتنافسان فرحة الفوز بالقبعة.
الفضول فطرة نرتقي بها أم منزلق نهوي من خلاله
لماذا نحب أن نعرف؟
هل حبّ المعرفة منقبة أم مذمّة؟
وهل هناك معارف تُحمَد، وأخرى تُذم؟
وهل الفضول فطرة راسخة في النفس، أم مجرّد ضعف متخفي؟
كيف يتكون الفضول لدى الانسان وفي أي مرحلة من مراحل حياته يصبح فضولي؟
لكل إنسان غرائز نفسية، تنمو أو تنكمش بحسب وعيه وطريقة إدارته لها. وتلك الغرائز، وإن اختلفت بين الناس، إلا أنها تشترك في كونها متجددة في أشكالها، ومن أبرزها: غريزة الفضول.
الفضول نزعة فطرية تولد مع الإنسان، وتظهر منذ سنواته الأولى، حين يبدأ بالتعرّف على العالم مستخدمًا حواسه كلها: يتلمس، يجرّب، يسأل، ويستكشف. وتظل هذه الغريزة حاضرة فيه حتى الكِبَر، وإن اختلفت صورها وتوجهاتها.
يقول العالم جيم الخليلي في كتابه متعة العلم:
“كلّنا نواجه أشياء في حياتنا لا نفهمها، سواء كانت جديدة أو غير متوقعة. هذا ليس شيئًا نندبه أو نخافه. مواجهة الأشياء المجهولة أمر طبيعي، ولست بحاجة إلى الهروب. الفضول هو جوهر العلم، وكذا السؤال والرغبة في المعرفة. لقد وُلدنا جميعًا علماء كأطفال، نتعلّم فهم عالمنا من خلال الاستكشاف وطرح الأسئلة طوال الوقت.”
والفضول ليس واحدًا، بل هو نوعان:
•الأول: فضول يتجه نحو تتبّع الناس، خصوصًا في أخبارهم السيئة، لا رغبة في المعرفة، بل لمجرد الشعور بالسبق أو التباهي. هذا الفضول يُرضي النفس السطحية، لكنه يُعد سلوكًا غير محمود، لأنه يقوم على تتبّع عثرات الآخرين والانشغال بعيوبهم، ولا يفيد صاحبه من تلك المعارف التي يتتبعها انما هو اشغال نفسه بأمر لا عائد منه.
•الثاني: هو الفضول المعرفي، الذي يدفع صاحبه إلى البحث، والسؤال، والتفكير، ومحاولة الفهم. وهذا النوع هو الذي يُبقي العقل حيًا، ويمنح صاحبه قدرة على التطور. وفي هذا النوع يتفاوت الناس: فمنهم من يشتعل فضوله طلبًا للعلم، ومنهم من يعتدل، وآخر لا يحرك فيه السؤال ساكنًا.
ولولا هذا النوع من الفضول، لظلت الحركة العلمية راكدة، ولما ظهرت النظريات، ولا تأسست المعارف. فبفضله، اشتعلت عقول العلماء، ونشأت الاكتشافات، وتقدّمت الحضارات.
وفي النهاية، كيف نوجّه فضولنا؟
أنجعله سُلّمًا نرتقي به، ونتعلّم من خلاله ما هو مفيد؟ أم نتركه منزلقًا نحو تتبّع عثرات الآخرين، فنفقد بذلك قيمته، ونتحوّل إلى مجرد مراقبين للزلات.
يحدث بالتدريج .. تعرف على العلامات المبكرة للإجهاد الحراري
العلامات المبكرة للإجهاد الحراري:
- التعرق الشديد
- الدوخة
- تشنجات العضلات
- التعب
لا تهمل العلامات المبكرة، فالتصرف السريع يحمي صحتك.
المصدر: وزارة الصحة
كيف نسيناهم؟
تعد الفجوة الرقمية ظاهرة متزايدة رغم التقدم التكنولوجي الذي نشهده اليوم، تعكس هذه الفجوة الفروق في الوصول إلى التكنولوجيا واستخدامها بين الفئات العمرية المختلفة، وأحد أبرز المتأثرين بها هم كبار السن، يشعر هؤلاء بفقدان الاتصال مع العالم من حولهم، وكأنهم يعيشون في واقع مغاير، مما يؤدي إلى شعورهم بالعزلة والانطواء، يطرح هذا الوضع سؤالًا مهمًا: لماذا يبدو كبار السن غير معنيين بمواكبة التطورات التكنولوجية؟
تعود الفجوة الرقمية بين كبار السن وبقية الفئات العمرية إلى عدة عوامل رئيسية، مثل نقص التعليم والتدريب في مجال التكنولوجيا، العديد من كبار السن لم تتاح لهم الفرص للحصول على تعليم تكنولوجي مناسب خلال شبابهم، مما يجعلهم يشعرون بعدم القدرة على استخدام الأجهزة الحديثة أو التفاعل مع البرمجيات الجديدة، هذه الفجوة تخلق لديهم شعور بالعزلة وتقلل من رغبتهم في التعلم.
تترتب على الفجوة الرقمية آثار سلبية متعددة على حياة كبار السن، فعدم قدرتهم على استخدام التكنولوجيا يعني أنهم يفوتون فرص التواصل مع الأصدقاء والعائلة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما يزيد من شعورهم بالوحدة، بالإضافة إلى ذلك، انتقلت العديد من الخدمات الحيوية، مثل المواعيد الطبية والتسوق، إلى العالم الرقمي، من الصعب عليهم الحصول على ما يحتاجونه، كما تؤثر الفجوة الرقمية سلبًا على صحتهم النفسية، حيث يشعرون بالانفصال عن المجتمع ويعانون من مشاعر العزلة.
يجب أن نضع الفئات المتضررة من الفجوة الرقمية في صميم أولوياتنا لضمان حصولهم على حقهم في الاندماج بعالم التكنولوجيا، ينبغي أن نأخذ بعين الاعتبار الفروق العمرية والتغيرات الزمنية، وأن نعمل على عدم شعورهم بالعزلة أو بعدم أهميتهم في حياتنا. يتعين علينا تخصيص وقت لتعليمهم وتثقيفهم حول أهمية التكنولوجيا، مما يسهل عليهم التكيف مع العصر الرقمي، كما يجب أن نتذكر أنهم عاشوا في فترة لم تكن فيها التقنيات الحديثة متاحة بسهولة، يجب أن نقضي معهم أوقاتًا ممتعة وفق اهتماماتهم، فهم يمثلون أساس مجتمعنا ولا ينبغي أن نغفل عنهم.
الفجوة الرقمية بين كبار السن وبقية الفئات العمرية إلى عدة عوامل رئيسية، مثل نقص التعليم والتدريب في مجال التكنولوجيا
kkholoudamohammed@gmail.com
الأماكن الأثرية.. المردود الاقتصادي
تحدثت في المقال السابق يوم الأربعاء بتاريخ 23 يوليو عن الأماكن الاثرية والتنمية الاقتصادية في دارين، ووعدت بمقال آخر عن الأماكن الأثرية والتنمية الاقتصادية في تاروت التي تتميز بمعالم أثرية قديمة مثل قلعة تاروت الأثرية التي تم بناءها على تل تاروت في موقع أثري يعود تاريخه إلى نحو 4300 – 5000قبل الميلاد.
تفاوتت المعلومات حول من بنى قلعة تاروت التاريخية الأثرية، فالمعلومات تشير إلى أن السكان المحليين بنوا القلعة لحمايتهم من الغزوات الأجنبية مثل غزو البرتغاليين الذين غزوا البحرين التي أسس سكانها قلعة عراد التاريخية لحمايتهم من الغزو الأجنبي ومنه البرتغالي. ويرى بعض الباحثين أن البرتغاليين هم الذين بنوا القلعة خلال تواجدهم بالخليج «من 1515 إلى 1559م»، وذلك لتعزيز سيطرتهم على المضائق المائية وحماية مصالحهم من التهديدات العثمانية وغيرها من المنافسين.
هناك ارتباط بين البحرين والقطيف، فالملاحظ الشبه بين قلعة تاروت وقلعة عراد في البحرين التي بناها السكان للحماية من البرتغاليين، ما يؤكد أن سكان تاروت هم من بنى قلعة تاروت للحماية من البرتغاليين، حيث استفادوا من تجربة البحرينيين.
قامت الدولة السعودية الأولى بإعادة ترميم جزء بسيط من القلعة بين الفترة 1744 – 1818م واستخدمتها لأغراض دفاعية من الغزاة. تشير المصادر التاريخية إلى أنه في عام 1792م تم إستخدام القلعة كحصن دفاعي لحماية سواحل القطيف وجزيرة دارين وتاروت خاصة من البرتغاليين والقبائل البحرية فيما بينها للسيطرة على جزيرة دارين وتاروت وقلعتها. تم تعزيز بعض أجزاء القلعة الدفاعية والاعتقاد أن الدولة السعودية الأولى أجرت بعض الترميم المحلي لتقوية الأسوار واستخدامها كنقطة مراقبة.. وفي عهد الدولة السعودية الحديث «الدولة السعودية الثالثة» القلعة تحت إعادة التأهيل من قبل الجهات المعنية المختصة.
تعد قلعة تاروت الأثرية وما وجد فيها من معالم أثرية قديمة، تراث ثري يجذب المهتمين بتاريخ الحضارات من خلال الأواني والأدوات والتماثيل، ناهيك عن جذب السياح من المنطقة والسعودية وخارجها.
حضارات مثل دلمون والسومرية وباربار جديرة بالاهتمام والمعرفة. لقد تم اكتُشاف تحف أثرية في الموقع، منها تمثال من الحجر الجيري على النمط السومري الأثري، وأوانٍ من حضارات_الهند والسند ودلمون وباربار، وبعضها يُعرض في المتحف الوطني في الرياض ومتحف الدمام الإقليمي. يوجد في وسط القلعة بئر ماء تاريخية جافة تعرف بعين العودة، وسبب الجفاف الإهمال واستخراج البترول من الأماكن المجاورة.
يحقق تأهيل قلعة تاروت والمعالم الأثرية الأخرى في محافظة القطيف مردودًا اقتصاديًا ملموسًا إذا تم بشكل مدروس ضمن خطة تنمية ثقافية وسياحية واقتصادية متكاملة.
المردود الاقتصادي المباشر من خلال السياحة الثقافية والتراثية التي تجذب السياح المحليين والدوليين المهتمين بالتاريخ والتراث والحضارات البائدة. ستزيد حجوزات الفنادق والشقق المفروشة، المطاعم، النقل، والأسواق المحيطة، وسيرتفع متوسط الإنفاق اليومي للسائح الثقافي أعلى من السائح الترفيهي، وسيخلق هذا الحراك الاقتصادي فرص عمل للمواطنين المحليين جراء تزايد عدد السياح من داخل المنطقة وخارجها. وبالطبع يوفر الإرشاد السياحي وظائف مباشرة، كما ستوفر محلات بيع الهدايا الأثرية وظائف غير مباشرة. والمتوقع أن ينشط السوق العقاري في جزيرة دارين وتاروت وما جاورها قريباً من المواقع الاثرية.
أشدد على أهمية التسويق المكثف لهذه المواقع الأثرية في المملكة وخارجها، وتسيير الرحلات، وتنظيم المهرجانات التراثية وكذلك رحلات تعريفية مدرسية من المدن المجاورة للتعريف بالأماكن الأثرية في جزيرة دارين وتاروت.
alyaum2018@gmail.com