بين الثقة والغرور

يتعلق امتلاك الثقة بإيمان المرء بمهاراته، بحيث يمكنه أن يبلى بلاء حسنا فيما يقوم به ويواجه التحديات الجديدة دون قلق.
ومن النادر أن يثق المرء بقدراته عموما في جميع المجالات، فقد تكون واثقا من مهاراتك في التواصل مثلا، بينما تكون أقل ثقة من مهاراتك في برامج الحاسوب، ولهذا لا يكون مستوى الثقة لدى المرء«منخفضا»، أو «مرتفعا»، بل يقع في منطقة ما بين الاثنين، وليس هناك خطأ في مستوى ثقتك الحالي بصرف النظر عن المنطقة التي يقع، لأننا نحتاج جميعنا لدفعة محفزة بين الحين والآخر، وهذا أمر طبيعي تماما، فهناك خرافات كثيرة ومشوهة حول الثقة، فهي لا تعني أن يكون المرء كاملا ومحقا طوال الوقت، بل إن من مفاتيح الثقة في الواقع أن تدرك أن الأخطاء فرصة مستمرة للتعلم والنمو، ولا يحدث الفشل إلا عندما تكف عن المحاولة تماما، كما أنه لا يعني أن تسير بحسب توقعات الآخرين فيما يتعلق بهويتك، أو ما يجب أن تفعله، بل أن تدرك احتياجاتك ومواهبك وتدافع عنها، كما أن الثقة لا تعني غياب الخوف، حيث يواجه معظم الواثقين مواقف تجعلهم غاية في القلق، لكن الفارق المميز لديهم هو أنهم لا يسمحون لهذا القلق بمنعهم من فعل ما يريدون، وغالبا ما يخلط الناس بين الثقة والغرور، في حين أن الاثنين يختلفان عن بعضهما تمام الاختلاف، فالثقة هي معرفة قدراتك والإيمان بها، أما الغرور فهو رؤية مهاراتك أو أهميتك بصورة مبالغ فيها، أو شعورك بأنك أرفع شأنا من الآخرين.
يصعب التعامل مع الشخص المغرور، لأنه يتعامل مع الناس وكأنه يعرف كل شيء، لكن المثير في ذلك أن الغرور غالبا ما ينبع من الافتقار إلى الثقة بالنفس، لأنه نتيجة لمحاولة المرء التغطية على عدم شعوره بالأمان، وليس نتيجة الثقة المفرطة، ومعظمنا قد تنتابهم لحظات من الغرور من آن لآخر، فإذا لاحظت بعض مشاعر الغرور في داخلك فخذ نفسا عميقا مع لحظة تفكير أعمق وحاول التأمل والتساؤل مع نفسك، ما الذي تحاول أن تحمي نفسك منه؟ هل يمكن اعتبار وجهة نظر الآخر جديرة بالإنصات، هل ترغب في استبدال تأني الثقة باندفاع الغرور؟ وقد يقول لك الكثيرون لا داعي للاشتغال على تنمية ثقتك من الأعماق، يمكنك التظاهر بصفة ما حتى تكتسبها، ولكن فيما يتعلق بالثقة فهذا ليس الخيار الصحي دائما، فقد يساعدك القليل من التظاهر على المضي قدما أحيانا، ولكن الثقة الحقيقية تنبع من داخل المرء، ولا يمكن ادعاؤها، لأن الواثق الحقيقي ينعم بأساس قوي لإيمانه بنفسه ويصعب كثيرا على أي شخص آخر أن يهز ثقته.
لا تصطنع الثقة بل ابحث عنها عميقا في ذاتك، وآمن بقيمة مسعاك، ودع النور يشع من داخلك، وتذكر أنك ظللت تنتقد نفسك لسنوات ولم يفلح ذلك، لذا جرب أن تدرب عضلة الثقة وسيعجبك ما سيحدث .
lama@odec-sa.com

ذوقيات

فصل الصيف ارتبط بحضور المناسبات الاجتماعية خاصة الأفراح « الزواجات وعقد القران والتخرج».. إلخ.. ولكن قد نُصاب بالدوار والتعب النفسي حينما يُكتب في بطاقة الدعوة «ممنوع التصوير» أو بتشديد أكبر «ممنوع الجوال» بمعنى أنه ستتم مصادرته فترة المناسبة التي لا تتعدى سويعات وتنقضي، رغبة من أصحاب الدعوة للحفاظ على الخصوصية.
أصحاب الدعوة بعد انتهائها ورغم كل ما بذلوه لا يرون إلا الوجوه العابسة ونظرات الغضب، فلم تشفع كل الجهود المبذولة في إدخال السرور على المدعوين وإكرامهم ، والحقيقة أن احترام رغبة أصحاب الدعوة والاستجابة لأنظمتهم وما يرونه صالحًا لهم من ذوقيات الدعوة وإتكيتها وأدبياتها.
سمعت الكثير من القصص عن تشديد أهل العرس في منع التصوير، وحساسيته خشية أن تتسرّب الصور، وأن هناك من تصور وتلتقط كل ما حولها دون أدنى مسؤولية، خاصة أن في الأعراس تخلع النساء أحجبتها، وتأمن على نفسها، وقد تنتشر صورها وهي لا تعلم.
ولا عزاء لمفتشات الجوال اللاتي يتعرضن للإيذاء في مصدر رزقهن! فهن لم يتطفلن على المكان، وإنما هن موظفات لغرض رغبة أصحاب المناسبة يجب احترامهن، وليس شرطًا أن يكون هذا العمل من باب التشكيك في مسؤولية الناس وذممهم، وإنما تم التعميم على الجميع لردع عدد محدود يرون «لقط» الآخرين و«حشرهم» دون علمهم في ثنايا صورهم أمرًا عاديًّا! والناس في قناعاتهم وأفكارهم مختلفون.
حقيقة ينتابني شعور بالغبطة، بأن الشخصيات التي كلما تعقدت الأمور وتشربكت حلَّتها وخففتها نكاتهم، وتسهيلهم للأمور لا تهويلها.
خلاصة القول، لا نعقد الأمور ولنحترم ذوقيات الدعوات الاجتماعية ونخرج منها بالذكريات الجميلة.
ganniaalghafri@gmail.com

«الوسيلة» من «ماكلوهان» إلى منصة «إكس»

اندهش أحد المغردين في من التحليل السياسي الرصين الذي كتبه للصحافي السعودي داود الشريان على منصة إكس متسائلاُ عن سر اختلافه عن ما كان يقدمه في برامجه التفزيونية السابقة، ليرد الشريان بأن الفارق ليس في الشخص، بل في الوسيلة والجمهور: «التلفزيون يخاطب جمهوراً واسعاً، متنوعا، يسمع ويرى، يسمى الجمهور العادي؛ لذلك يحتاج إلى لغة شفوية، مباشرة، أما إكس فأقرب إلى نخبة قارئة. جمهور يقرأ ولا يستهلك».
هذا الحوار هو تجسيد لصحة نظرية «وسيلة الإعلام هي الرسالة» للفيلسوف الكندي مارشال ماكلوهان التي ألف لها كتاباً في العام 1967 ولا يزال محتواه متوائها تماماً مع عصر الإعلام الجديد، «السوشال ميديا». النظرية تقول بأن الوسيلة الاتصالية نفسها هي من تشكل طريقة تفكير الناس أكثر من محتواها. فمثلا اختراع الطابعة عزز الفردية والتفكير العقلاني في المجتمع الاوربي بغض النظر عن محتوى الكتب، والتلفزيون غير نمط الحياة الاسرية وخلق ثقافة جماهيرية مع اختلاف البرامج، كما أن الهواتف الذكية أعادت تشكيل إدارك الزمان والمكان دون حساب قيمة المحتوى.
الرسالة الأساسية لماكلوهان، أننا كثيرًا ما نركّز على المحتوى «ماذا قيل؟»، بينما الأهم هو الوسيلة «كيف قيل؟»، لأنها هي التي تعيد تشكيل إدراك الإنسان، وتعيد تكوين البيئة العقلية والثقافية والاجتماعية.
هو يرى أيضا أن الوسائل امتداد للحواس، وامتداد لوظيفة من وظائف الجسد، فالراديو امتداد للسمع، والتلفزيون امتداد للبصر والسمع، والإنترنت امتداد للعقل، وهو ما ينطبق على الذكاء الاصطناعي اليوم.
المحتوى قد يكون «فيلمًا أو تغريدة»، لكن الرسالة الحقيقية هي «تأثير الوسيلة التي جاء بها هذا المحتوى على إدراك الناس».
هذا الامتداد لا يضيف قدرة جديدة من قدرات التأثير الإعلامي، بل يغيّر شكل الوعي ونمط التفكير ذاته لدى المتلقي.. فالوسيلة ليست مجرد أداة محايدة، بل هي فاعل ثقافي واجتماعي يشكّل الإنسان والمجتمع .
بعبارة أخرى كل وسيلة جديدة تغيّر بنية الإدراك، وبالتالي تغيّر الإنسان نفسه. الرسالة الحقيقية ليست ما يُقال عبر الوسيلة، بل الوسيلة نفسها باعتبارها “البيئة الجديدة” التي نعيش فيها.
وختاماً.. داود الشريان لم يتغير حين قدم برنامج بلكنة محلية شعبية بسيطة، ولم يتبدل حين صار يكتب تعليقاً سياسياً موجزاً على منصة «إكس»، لكن الوسيلة الإعلامية بيئة كاملة تُعيد تشكيل من يدخلها. وسيلة الإعلام ليست مجرد «قناة» فقط، بل عالم معرفي وسلوكي.
waleedalahmmed@yahoo.co.uk

نهاية.. وبداية جديدة

أيام الإجازة الصيفية مرت سريعاً وها هي تشارف على نهايتها وقد أمضتها غالبية الأسر في المملكة العربية السعودية بين تنقل داخلي في ربوع الوطن بعدة أغراض متنوعة منها، العودة إلى المنطقة التي تحمل ذكريات الطفولة حيث يتواجد بها الأقارب من الجدين والوالدين وأبناء العمومة، وهناك تتعدد الغايات من صلة الرحم وحضور المناسبات الاجتماعية والاستمتاع بما توفره تلك المناطق من ترفيه بعيداً عن صخب المدينة ممزوجاً، بعبق الماضي الجميل في نكهة مختلفة يصعب وصفها أو تكرارها.
هناك العديد من الأسر آثرت السفر إلى الخارج للبحث عن تجربة السياحة الخارجية التي تكون فيها فوائد متنوعة من الاطلاع على ثقافات شعوب العالم والاستمتاع بأجواء مناخية وطبيعة مختلفة.
هناك شريحة كبيرة من الطلاب والطالبات آثروا استغلال الإجازة في الفرص التطوعية أو الانخراط في برامج صيفية وتعليمية متنوعة.. في المحصلة النهائية نحمد الله على ان هذه الإجازة شارفت على النهاية ونحن بصحة وعافية فهو المكسب الأهم، ونعلم أن هناك من مرت عليه ظروف مؤلمة من مرض أو فقد أو غير ذلك. فلهم من دعائنا نصيب ورحمة الله واسعة وهو المعين الرحيم الكريم.
بالنهاية: أتمنى أن نكون على استعداد لبداية وإن صحت تسميتها انطلاقة جديدة لعام دراسي عنوانه النشاط والأمل والطموح وأن نستعيد النشاط ونضع خطة واضحة لما ينتظرنا في مستقبل الأيام خاصة من هم مقبلون على سنوات حاسمة، السنة الأخيرة في الثانوية أو المرحلة الجامعية . فبالتخطيط تكون الرؤية واضحة والنتائج وفق الطموح ونواة ينطلق منها الإنسان ليكون عنصرا فاعلا في مجتمعه ووطنه.

الوعي الذي نريد في عصر الذكاء الاصطناعي

مع التقدم الهائل في تقنيات الذكاء الاصطناعي، وسيطرة وسائل التواصل الإجتماعي على حياة الإنسان بشكل يصعب فيه فك الارتباط بين الإنسان والتقنية، يبرز مجدداً مفهوم الوعي، وأهميته في فهم مايحدث حولنا من مواكبة للمتغيرات والتجديدات التقنية والمعرفية وانعكاساتها على سلوك الإنسان ونمط حياته، فالواقع الافتراضي الذي بدأ يُشكل تحدياً حقيقياً في حياتنا اليومية، حيث تلعب التقنية وتطبيقاتها دوراً أساسياً في ممارسات المجتمع المختلفة بما فيها الأدوار الخفية لهذه التطبيقات التي تتطلب مواجهة ومستوى كاف من الوعي المجتمعي، وطريقة التعامل مع هذه التقنيات، وأن التقنية لها وجه مختلف يتمثل في بعض المغالطات الأخلاقية والاجتماعية وتزييف للمعلومات والمعطيات المتعلقة بالأحداث وصولاً إلى بعض المخاطر التي يبني الإنسان عليها بعض القناعات والأفكار وربما اتخاذ القرارات.
يبرز الوعي المعرفي كأهم الأدوات لمواجهة الثورة التقنية المضادة وانعكاساتها السلبية في فهم كيف يعمل الذكاء الاصطناعي لخدمة البشرية، وهو الأمر الذي يحد من السطحية والادعاءات السلبية في مايقدمه بعض مستخدمي هذه التقنيات، والذي يتمثل في المحتوى الضار والمزيف، والذي يُقدَم للمتلقي باعتباره مادة مفيدة، ولأسباب مختلفة ومجهولة؛ فالحاجة لتحقيق التوازن والفهم الصحيح عند تلقي المعلومات والمحتويات، والحضور الجيد للوعي قبل نشرها ومشاركاتها الآخرين، وكذلك التصدي للمحتوى الرقمي الذي يعمل على تزييف الحقائق أصبحت ضرورة مجتمعية ملحة، مما يقلل من استغلال المنصات الرقمية التي يستخدمها البعض لأغراض غير أخلاقية ولا قانونية مما يشكل خطراً أخلاقياً وأمنياً واجتماعياً.
بات رفع مستوى الوعي المجتمعي والإنساني في التعامل مع التحديات التقنية وتطبيقاتها امراً ضرورياً من خلال تكثيف الرسائل التوعية الذي ينبغي أن تقدمها الجهات الرسمية المعنية، وكذلك المختصين والمهتمين من خلال تثقيف كافة شرائح المجتمع بمخاطر تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تهدف احياناً إلى خلق نوع من الفوضى وزعزعة الأمن الاجتماعي، وكذلك عدم إغفال دور المؤسسات الاكاديمية والجامعات في تقديم البرامج التعليمية والتدريبية مثل أساسيات الذكاء الاصطناعي، والذكاء الاصطناعي كمساعد للذكاء البشري، وكيف يمكن توظيف الجانب المعرفي في مواجهة التحديات التقنية وحماية الأفراد والمجتمع من المخاطر المحتملة من خلال تطوير القدرات البشرية في مجال تقنيات الذكاء الاصطناعي، وهذا يعمل على تحول المجتمع إلى مجتمع معرفي قادر على مواكبة التطورات التقنية وتحدياتها الحالية والمستقبلية.
الوعي الذي نريده في عصر يشهد تطوراً مذهلاً في التجديدات التقنية والمعرفية ينبغي ان يشمل عدة مجالات منها الوعي المعرفي، والوعي الاخلاقي، والوعي الرقمي، والوعي المجتمعي، وكلها أدوات ضرورية في عصر المعلومات والانفجار المعرفي المتسارع، فالوعي الذي نحتاجه لايكفي بمعرفة التقنية وحدها، لابد من فهم كيف يمكن توظيفها بشكل اخلاقي وانساني حتى نضمن حماية المجتمع وأجياله من المخاطر المحتملة، والوصول إلى مجتمع معرفي متقدم يمارس كافة أشكال الوعي في التعامل مع التقنية الرقمية واستخداماتها، واعتباره نموذجاً يحتذى به في مجال الوعي المعرفي والاجتماعي والإنساني.
khaledaldandani@gmail.com

طعنة في خاصرة الحلم

لم يكن الشاب محمد يوسف القاسم يحمل في حقيبته أكثر من كتب اللغة وأحلام شاب سعودي أراد أن يفتح نافذته على العالم. لم يكن مسلحاً إلا بطموحه، ولم يكن عدواً لأحد، بل مجرد طالب في مدينة كامبريدج البريطانية، حيث يفترض أن يكون العلم أسمى من العنف، والمعرفة أقوى من الكراهية.
لكنه عاد إلى الوطن هذه المرة.. لا بشهادة من معهد، بل بكفن أبيض يحمله الألم، وتسير به الدموع.
محمد، ذو الـ 21 عاماً، خرج في مساء الجمعة 1 أغسطس كعادته، عائداً إلى سكنه القريب من حديقة «ميل بارك». لم يكن في حسابه أن خطواته الأخيرة ستنتهي بطعنة قاتلة في رقبته، غدراً، بلا سبب.
سقط محمد على الرصيف، وارتفعت روحه إلى السماء، بينما بقيت الأسئلة بلا أجوبة.
من يقتل طالباً أعزل؟
من يجرؤ على طعن شاب في عمر الزهور، جاء طالباً للعلم؟
هل كان مجرد اعتداء عابر؟ أم أن خلفه كراهية نائمة، وعقل مريض تغذى على العنصرية والصور النمطية؟
كامبريدج، تلك المدينة التي ارتبط اسمها بالعباقرة والمفكرين، بدت في تلك الليلة وكأنها تخلت عن وجهها المتحضر.
سكان الحي صدموا. زملاء محمد بهتوا. والشرطة بدأت تحقيقاتها، كالعادة. لكن خلف كل هذه الإجراءات، بقي شعور عميق بالخذلان.
هل هذه هي بريطانيا التي تقدم نفسها كراعية لحقوق الإنسان؟ هل هذا هو الغرب الذي يفاخر بحرية التعبير وحماية الأقليات؟
الحقيقة أن ما حدث لمحمد أعاد فتح جرح قديم: أن العنصرية لا تزال موجودة، وأنها قد ترتدي ألف قناع، لكن طعناتها لا تخطئ القلب.
ربما لم يسمع محمد كلمات جارحة في شوارع كامبريدج. وربما لم يصرخ أحد في وجهه «عد إلى وطنك».
لكن العنصرية ليست دوماً بالصوت العالي، بل قد تكون في نظرة، في تصرف عابر، أو في طعنة تأتي بلا مبرر.
نعم، في بريطانيا، كما في غيرها، لا تزال الكراهية تتنفس، تغذيها عقول مظلمة، وتبررها أحياناً سياسات وإعلام متشنج، يعزز الخوف من الآخر، خاصة إذا كان عربياً أو مسلماً.
رسالتي إلى الشباب..
إلى كل شاب يحمل حقيبته للسفر والدراسة، تذكر أن العالم جميل، لكنه ليس آمناً بالكامل.
تذكر أن العلم لا يحمي وحده، وأن المكانة الأكاديمية لا تصنع الحصانة، إن لم تقترن بالوعي والحذر والالتزام.
كن حذراً فى تعاملك مع الآخرين ولا تشارك فى نقاشات حول العنصرية وابتعد عن الأنشطة التى تحركها كراهية الآخرين لأسباب عنصرية وإختلاف فى الأفكار والمبادئ.
وتذكّر دائماً أن السلامة أغلى من أي شهادة.
وإلى كل أب وأم يودعان أبناءهما على بوابات المطارات، لا تكتفوا بالدعاء، بل اغرسوا فيهم حس المسؤولية، وثقافة الحذر، وعلموهم أن الحياة في الخارج ليست دائماً كما ترسم في الصور.
حين نُقتل بصمت، تموت معنا ثقة، وتُذبح أحلام، وتُداس آمال كانت كبيرة.
محمد القاسم -رحمه الله- لم يمت وحده.
مات معه وهم «المدينة الآمنة»، وسقطت ورقة التوت عن بعض ملامح المجتمعات التي لم تزل تعاني من خوفها المزمن من الآخر.
لكن رغم الألم، تبقى رسالة الشاب محمد : أن الطيبين يرحلون، لكنهم لا يُنسون.
وأن الحلم النقي، حتى لو تمزق جسده، فإن روحه تبقى تضيء الطريق للآخرين.
malhajry1@gmail.com

العودة إلى الحكاية الأم… وإنقاذ مسرح الطفل

حين نعود إلى حكايات الجدات والأمهات، نفتح بابًا على عالم مدهش، كانت فيه الكلمة تغني قبل أن تعزف الموسيقى، وكانت العبرة تسكن بين سطور الحكاية كما يسكن العطر بين بتلات الورد.
تجلس الجدة تحت ضوء مصباح خافت، أو قرب موقد يهمس بلهيب دافئ، فتبدأ الكلمات في الانسياب، تشد أنفاس الصغار وتربط قلوبهم بخيط خفي من الفضول. لم تكن هذه القصص مجرد تسلية قبل النوم، بل كانت مدارس مصغّرة تعلمنا الحذر من الذئب، والرحمة مع الطيور، والشجاعة في عبور الغابة المظلمة.
هذه الحكايات الشعبية كانت تعرف سرّ المزج بين المتعة والتعليم، وكيف تزرع الحكمة بخيوط ناعمة داخل أحداث مثيرة، فلا يشعر الطفل أنه يتلقى درسًا، بل يعيش مغامرة. لم تكن تحتاج إلى ميزانيات ضخمة أو تقنيات خارقة، بل إلى خيال حي، وصدق في الحكاية، ورسالة واضحة تصل إلى قلب الصغير قبل عقله. ولو حملنا هذا الإرث إلى خشبة المسرح، لاستطعنا أن نصنع عروضًا تمس وجدان الطفل، وتترك أثرًا لا يزول بانطفاء الأضواء.
لكن إذا نظرنا إلى مشهد مسرح الطفل اليوم، سنجد مسارين متناقضين:
هناك المسرح المدرسي التعليمي، الذي يقف شامخًا رغم تواضع إمكاناته، يقدم روايات بعيدة المدى، يزرع القيم والأفكار في نفوس الصغار، ويؤمن أن الحكاية الصادقة أقوى من أي مؤثر ضوئي أو صوتي. في المسرح المدرسي، الكلمة هي البطل، والممثل – حتى وإن كان تلميذًا صغيرًا – يروي القصة بصدق، لتبقى في قلب الطفل كما تبقى الأغنية الجميلة في الذاكرة.
وفي الجهة الأخرى، يقف المسرح التجاري، يرفع شعاره بالألوان الزاهية، ويغرق في بحر من الموسيقى الصاخبة، والأغاني التي لا تحمل سوى كلمات خاوية بلا معنى. هو مسرح يرقص على السقف المنخفض من المعنى، يطارد الضحكة السريعة، واللحظة البصرية المبهرة، لكنه لا يمنح الطفل فكرة يعود بها إلى بيته، ولا صورة تبقى معه حين ينام.
المفارقة أن الطفل، رغم صغره، يملك حاسة فنية فطرية تلتقط الصدق وتفضح الزيف. يعرف متى تكون الموسيقى جزءًا من القصة، ومتى تتحول إلى ضجيج، ويدرك – دون أن يصرّح – أن المسرح الذي لا يمنحه شيئًا يبقى في فراغ النسيان.
إن إنقاذ مسرح الطفل يبدأ من خطوات واضحة:
العودة إلى النصوص الأصيلة، سواء من التراث الشعبي أو من إبداع كتاب معاصرين يعرفون لغة الطفل واحتياجاته.
دمج الفنون بانسجام، بحيث تصبح الموسيقى، والديكور، والإضاءة، والأزياء خادمة للقصة، لا منافسة لها.
تدريب الممثلين على التفاعل الحي مع الأطفال، لأن الطفل يقرأ الصدق من النظرة والحركة والنبرة.
الموازنة بين الترفيه والتثقيف، فالمسرح الذي يكتفي بالضحك يفرّغ نفسه من المعنى، والذي يكتفي بالموعظة يثقل على الطفل.
إحياء الحكايات الأم، وتحويلها إلى مشاهد نابضة تعيد للطفل إحساس الانتماء لجذوره.
في النهاية، المسرح ليس سلعة تُستهلك وتنتهي، بل رسالة تعبر من قلب الممثل إلى قلب الطفل. والمسرح الذي يرقص بلا معنى سيظل أسير لحظة التصفيق، أما المسرح الذي يحكي قصة صادقة فسيبقى حيًّا، يتنفس في ذاكرة الطفل حتى حين يسدل الليل ستائره.
ayaamq222@gmail.com

فعالية نمو القطاع الصناعي

يواصل القطاع الصناعي صعوده الذي يسهم بفعالية في نمو الناتج المحلي الإجمالي وتحقيق المستهدفات الإنمائية والتنموية، فهذا القطاع يظل رأس الرمح في جميع أعمال وعمليات التنمية المستدامة والشاملة التي نطمح إلى تحقيقها وفقا للرؤية الوطنية، وهو بمثابة قاطرة إنتاجية وخدمية محفزة لغيره من القطاعات الاقتصادية، وتعكس مؤشراته الإيجابية التطور والازدهار الذي يتقق بفضل الله ثم الإدارة الحكيمة والكفؤة لاقتصادنا الوطني.
وفي هذا السياق تظهر أحدث بيانات الهيئة العامة للإحصاء ارتفاعا مهما للرقم القياسي للإنتاج الصناعي للمملكة بنسبة 7.9% خلال يونيو الماضي، وقد شهد ارتفاعا في مايو بنسبة 1.5% مدعوما بخمسة أنشطة، فيما كان ارتفاع يونيو بدعم من زيادة نشاط التعدين واستغلال المحاجر، والصناعة التحويلية، وإمدادات الكهرباء والغاز والبخار وتكييف الهواء، وإمدادات المياه وأنشطة الصرف الصحي وإدارة النفايات.
هذه الارتفاعات متواصلة منذ أبريل الذي ارتفع فيه الإنتاج الصناعي بنسبة 3.1% بدعم نشاط التعدين الذي سجل رقمه القياسي الفرعي ارتفاعا بنسبة 6% سنويا، وذلك بسبب ارتفاع مستوى الإنتاج النفطي خلال يونيو ليصل 9.36 مليون برميل يوميا مقارنة بنحو8.83 مليون برميل في الشهر المماثل من العام السابق.
كل تلك المؤشرات داعمة لتطوير ونمو المنظومة الاقتصادية التي يقودها القطاع الصناعي ما يشير إلى تعاف وإمكانية لتحقيق اختراقات تنموية تتناسب مع التطلعات والطموحات الوطنية، فالاقتصاد يعتمد بشكل كبير على كل انفتاح صناعي يعزز التنوع ونمو الأنشطة غير النفطية بما فيها من إنتاج وخدمات متنوعة تحقق قيمة مضافة للاقتصاد الكلي وتجعله أكثر مرونة وجاذبية وتوسعا في الاستثمارات.
ذات المؤشرات تشمل الصناعة التحويلية، حيث شهد الرقم القياسي الفرعي ارتفاعا بنسبة 11.1% سنويا، بدعم من زيادة إنتاج فحم الكوك والمنتجات النفطية المكررة 15.3%، وصنع المواد الكيميائية والمنتجات الكيميائية 18.7%، فيما سجلت الأنشطة الأخرى أيضا نموا ملحوظا، حيث ارتفع الرقم القياسي الفرعي لنشاط إمدادات الكهرباء والغاز والبخار 5.6%، ونشاط إمدادات المياه والصرف الصحي وأنشطة إدارة النفايات 6.9%، وذلك ما ظهر في تحقيق تكامل وموازنة في ارتفاع مؤشر الأنشطة النفطية 7.7% والأنشطة غير النفطية 8.6% سنويا، ما يؤكد فعالية النمو الصناعي في تحقيق المستهدفات الوطنية في التنويع الاقتصادي والوصول إلى معدلات نمو قياسية وطموحة.
meshary56@hotmail.com

انتهى مستقبلي، لم أقبل في الجامعة

قد يسمع كثير ممن لم يقبل في الجامعة هذه الأيام الكثير من التأنيب، لو رفعت درجتك في القدرات والتحصيلي لما وصلت لهذه الحال، لو اهتممت أكثر لما صار ما صار، وحيث أن «لو» تفتح عمل الشيطان، والتوجيه يجب أن يكون قبل وليس بعد، وأن تبحث عن الضوء خير من أن تلعن الظلام، فإن على أبنائنا أن يدركوا أن المستقبل لا يتوقف على الجامعة، فالجامعة وسيلة من الوسائل وليست الوسيلة الوحيدة، ومن لم يقبل في الجامعة الحكومية قد يجد نفسه في الكلية الخاصة حتى ولو عمل من أجل رسومها، ومن لم يستطع فقد يكون مشروعه هو طريق نجاحه.
كثير نجحوا وهم لم يدرسوا الجامعة، ولذلك يقول آرثر غترمان: الذي يتعلم بالبحث مهارته سبعة أضعاف من مهارته من يتعلم بالأوامر.
والحياة مليئة بالناجحين الذين بنوا أنفسهم خارج أسوار الجامعة، أبطال تاريخنا الإسلامي في جميع المجالات الذين سطروا أروع نماذج النجاح الإنساني لا نحتاج إلى التذكير بأنهم ليسوا خريجي أرقى الجامعات العالمية.
الروائية البريطانية المبدعة أجاثا كريستي صاحبة الروايات الشهيرة التي بلغت ثمانين رواية وترجمت للغات العالم بما يتجاوز ملياري نسخة لم تذهب إلى المدرسة أبداً فضلاً عن الجامعة.
الشيخ أحمد ديدات صاحب المناظرات الشهيرة والقوية دفاعاً عن الإسلام والتي لا زالت باقية كشاهد له، والحاصل على جائزة الملك فيصل لخدمة الاسلام، لم يلتحق بجامعة وقد غير حياته سخرية البعض من ديننا الحنيف وإثارة الشبهات، ومن ثمّ كتاب «إظهار الحق» الذي وجده وقد أكلته الأرضة فبنى نفسه وطوّر قدراته.
الأديب عباس محمود العقاد صاحب العبقريات الشهيرة، عبقرية محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وعبقرية عمر، وعبقرية خالد، والذي تجاوزت كتبه المائة كتاب، يحمل شهادة الابتدائية وقد طور مهاراته عن طريق تثقيف نفسه.
شونغ جو يونغ مؤسس شركة هونداي والتي تعني بالكورية الوقت الحاضر، كان عاملاً في بناء الورش ونقل الحجارة والطين حتى أسس شركته الشهيرة، كذلك مؤسس شركة إيكيا انغفار كامبراد، والتي هي اختصار لاسمه واسم عائلته ومزرعته وقريته، ومايكل ديل مؤسسة شركة ديل توقف عن دراسة الجامعة وأسس شركته، وسليمان الراجحي رجل الأعمال المعروف، وغيرهم الكثير من ناجحي الشرق والغرب.
إذن شق طريقك ولا تتوقف عند قبول الجامعة، فالندب والعويل ليس منهج الناجحين، والجامعة باب ولكن النجاح له ألف باب.
aldabaan@hotmail.com

أجواء عسير.. لوحة ساحرة تتداخل فيها السحب مع القمم الجبلية

تواصل منطقة عسير استقبال السياح من داخل وخارج المملكة، للاستمتاع بأجوائها المعتدلة وأمطارها الغزيرة التي تزين مرتفعاتها ومتنزهاتها الطبيعية، ضمن موسم الصيف السياحي “صيف عسير.. أبرد وأقرب”.
وسجلت الطرق المؤدية إلى مدينة أبها، ومحافظات ومراكز المنطقة، كثافة سياحية لافتة، خاصة نحو مواقع الاصطياف الشهيرة مثل منتزه السودة، والحبلة، وممشى الضباب، وحدائق سما أبها، وقرية رجال ألمع التراثية.
إضافة إلى المواقع الجبلية في النماص وتنومة وبلّسمر وبلّحمر، إذ توافدت العائلات للاستمتاع الأجواء الباردة التي تشهدها المنطقة في ذروة فصل الصيف.

انخفاض درجات الحرارة

وأدى تواصل هطول الأمطار المصحوبة بتساقط حبات البَرَد في بعض المواقع، إلى انخفاض درجات الحرارة لمعدلات دون 20 درجة مئوية في عدد من المرتفعات، ما أضفى على المشهد الطبيعي لوحة ساحرة تتداخل فيها السحب مع القمم الجبلية، ويعانق الضباب مساحات شاسعة من الغابات الخضراء.

وتحرص الجهات الأمنية والخدمية في المنطقة على تنظيم الحركة المرورية وتسهيل الوصول إلى المواقع السياحية، من خلال نشر الدوريات المرورية وتكثيف خدمات النقل العام، وتجهيز المرافق والخدمات لاستقبال الأعداد المتزايدة من الزوار.
وتمثل الأجواء التي تتميز بها منطقة عسير خلال فصل الصيف خيارًا مفضلًا للزوار لقضاء الإجازات، بما تتميز به من طبيعة خلابة، ومناخ معتدل، وفعاليات سياحية وثقافية متنوعة، تُظهر جمال المنطقة وثراءها التراثي.