التعسف في استعمال الحق من الظواهر التي تتكرر في حياتنا اليومية، وهو أن يطالب الفرد بما يراه حقًا له، لكنه يستخدم هذا الحق بطريقة تضر بالآخرين أو تفسد عليهم نصيبهم. ولعل خير مثال لذلك : شخص يأخذ حصته من الكعكة من المنتصف، لكنه فعل ذلك بأسلوب أفسد على غيره حصصهم، فصار سلوكه في جوهره ظلمًا، وإن بدا في ظاهره عدلًا.
الحقوق ليست مطلقة، بل محكومة بضوابط أخلاقية وقانونية تنظمها وتمنع تحولها إلى أداة للإضرار. فكما أن للفرد حرية في المطالبة بحقه، فإن عليه واجبًا في ألا يتجاوز بذلك حدود العدل والإنصاف. هنا يظهر الفرق الجوهري بين المطالبة بالحق و التعسف في استعماله؛ الأول يحقق التوازن، أما الثاني فيزرع الفوضى ويهدم الثقة. في بيئة العمل مثلًا، قد يستغل أحد الموظفين صلاحياته وعلاقاته اوموقعه ومكانه لتحقيق مكاسب شخصية أو ترقيات على حساب زملائه، فيخلق بيئة مشحونة بالاحتقان. وفي الأسرة، قد يصر أحد الورثة على حقه بطريقة تشعل الخلافات وتفكك الروابط. أما في المجتمع، فقد يُمارس الحق في التعبير لكن بأسلوب جارح يضر بالآخرين. كل هذه صور مختلفة لتوحيد معنى واحد: إساءة استخدام الحق.
التعامل مع المتعسفين يتطلب وعيًا وحكمة. أولًا، إدراك أن العدالة لا تقتصر على أخذ الحق بل تشمل طريقة أخذه ومراعاة مصلحة الجميع. ثانيًا، مواجهة هذا السلوك بالحوار البنّاء وبيان أثره السلبي على الآخرين. ثالثًا، تفعيل القوانين التي تمنع استغلال الحقوق بشكل مسيء. وأخيرًا، نشر ثقافة أخلاقية قائمة على الاعتدال والقدوة، بحيث يتعلم الفرد أن الحق قيمة متوازنة لا تتحقق إلا باحترام حدودها.
إن العدالة الحقيقية تتحقق حين نراعي أنفسنا والآخرين معًا، فلا نختزلها في الشكل دون المضمون. ونراعي المصلحة العامة قبل الشخصية. ولذا، فإن أهم ما ينبغي تذكّره أن الحق لا يكون حقًا كاملًا إلا إذا مورِس بعدل، وبما لا يفسد نصيب الآخرين.
gehan-alsh@hotmail.com