منذ أن كنت صغيرة، هاربةً من المهد، راكضةً إلى الحياة، ومنذ أن وعيت على ما يقال فيها، أولى ما أذكره منها قول أبي: «خلك قوية وشجاعة، بنتي قوية وما تخاف» وتبدأ بعدها سلسلةٌ من الجسارة والإقدام، والبحث عن الحق، وإصرارٌ على نصرته، تنتهي بقلق أمي ومخافتها من هذا التهور، فمرةً تكون لنا سترٌ وغطاء، وتارةٌ أخرى نعود فيها ركضًا إلى جناح أبي المتين، فيعزز لنا ما تظنه أمي ضربًا من الجنون «فلا زالت البنات صغيرات»، وبين هذه وتلك عشتْ.
بين الاثنتين تعلمت حق الناس وحقي، لا أجرؤ عليهم كما لا يجرؤ علي!
وهذا ما حاولت أن أحكيه في كل قصة عندما تم اصدار قصص للأطفال، ترافقني فيه دروس والدي، ففي قصة «القاضي فيل» تجد الأرنب يبحث عن حقه، ولم يكتفِ بالقعود وإحسان الظن بجاره المعتدِي بعد علمهِ بما اقترف، بل ذهب راكضًا إلى القاضي الفيل ينشد منه حقه بالقانون، ثم يقضي القاضي بالحق، وبالقوةِ ينتصر على الظالم.
أما في قصة «ليلى ذات الرداء الأزرق» نرى ليلى بشجاعتها ترافق الذئب في أسفارها، ثم تنام في الصحاري، ولا يعكر صفو حياتها إلا الأشرار، فتهب لنصرة أهل القرى، من الظالم المتجبر، وحتى في أشد أوقاتها خوفًا، تراها لا زالت قوية شجاعة مقدامة تُصر على الحق. وفي شجاعة امرأةٍ أخرى تصر الملكة «الخنساء» بقوتها، في قصة «الحذاء والأميرة» على البحث عن ابنتها المخطوفة «زبيبة» حتى بعد محاربتها لسنين عديدة لكسر العادات والقاعدة التي وضعتها الملكة «شمسي».
كما تجد وفي صورة واضحة عند قراءة قصة «كلبٌ على الجبل» الشر الذي تجسد في الكلب، ومع ذلك كان قويًا لم يجد من يوقفه، فهي رحلة قصيرة عمن يمكنه إيقاف الكلب الشرير، بأن يكون أقوى منه وأشد بئسًا!
وأخيرًا.. ندرك أن في هذه الحياة يفترض أن يجتمع داخل كل إنسان مقدار متزن من القوة والرحمة وبذلك تكتمل تركيبته الإنسانية وقيمه النبيلة وهو ما يتلخص في ما ينزرعه فينا من نحن لهم أحب لهم أحب الناس، الأب والأم، كذلك ما ينمو معنا من خبرات تتشكل وفق ما نعيش ومن أين نستقي أفكارنا ونستلهم قيمنا، وهنا نستذكر وإياكم قول نبيه -صلى الله عليه وسلم-: المؤمن القوي خيرٌ من المؤمن الضعيف.
أو كما جاء في سنته، فهذه التربية المنشودة، وكما قيل في الأثر، التعليم في الصغر كالنقش على الحجر! والقصة وإن أبدت لنا المتعة والأنس، فهي باقية في أذهاننا حتى الكبر، فما القصة التي تذكرها من طفولتك؟
fatima162fo@gmail.com