بين الراجحي والضمان الاجتماعي .. الكلمة والتوقيت

اليوم، ليس من الكافي أن تكون نيتك حسنة أو رسالتك نبيلة، بل الأهم أن تدرك متى وأين وكيف تطلقها أمام الملأ، وإلا تحولت نبالة القول إلى فتيل أزمة.

الشهرة اليوم هي أشبه بامتلاك مصنع ضخم يعمل على مدار الساعة؛ وأي عطل صغير أو سوء تقدير في لحظة حساسة يمكن أن يشعل حريقا يأتي على الأخضر واليابس. ولهذا، أصبح من الضرورة وجود المستشار الإعلامي المتخصص للمشاهير ورجال الأعمال المؤثرين، لأنه يشكل الدرع الوقائي وخط دفاع أول.

بالبداية نتحدث عن التوقيت القاتل في علم الاتصال، يمتلك المختصون قدرة على قراءة السياق قبل الكلمة، وفهم المناخ العام قبل الظهور. وهذا تحديداً ما نراه حصل مع يزيد الراجحي، سائق السباقات المعروف والذي حقق إنجازات بارزة في رياضة الراليات، أبرزها فوزه بلقب رالي داكار السعودية 2025 ، فقد تزامنت رسالته مع حالة من الجدل الشعبي بخصوص قرارات تخص فئة من مستفيدي الضمان الاجتماعي، وهي فئة تحتاج منا جميعاً إلى أعلى درجات الرأفة والحس المجتمعي. وحينما يأتي هذا الحديث، من شخصية مؤثرة فإن الأمر تفاقم على الفور.
هنا يتشكل ما نسميه السياق الضاغط: الفجوة بين المنظر والرسالة تصبح واضحة. فالثراء الفاحش الذي بدا على المشهد، مقابل الرسالة التي كانت تدعو إلى التقبل والفهم، خلق فجوة شعر بها الجمهور فورًا، فترجمت المشاعر إلى استفزاز، وكأن المتحدث بعيد كل البعد عن هموم من يتأثرون بتفاصيل القرارات الاقتصادية اليومية.

ثم يأتي الربط العاطفي، حيث أخذت العواطف الجماهيرية الحديث من إطاره العام إلى إطار شخصي ودفاعي، فأُفسر على أنه محاولة للدفاع عن قرارات متزامنة أو عن صلة عائلية، بغض النظر عن النوايا الحقيقية للمتحدث.

وفي نهاية المطاف، يحدث ما نسميه انتهاء ملكية الكلمة: فبمجرد انتشار المقطع، لم يعد المتحدث يمتلك حق تفسير كلماته. أصبحت الكلمة ملكًا للجمهور، الذي قرر تفسيرها ضمن السياق السلبي السائد، ما قاد إلى حملات وانتقادات لم يكن لها وجود لولا هذا الإطار الجمعي.

مهمة المستشار الإعلامي للمشاهير اليوم هي مهمة استشرافية بالدرجة الأولى. هو المختص الذي يمتلك البوصلة الحساسة التي تقيس اتجاهات الرأي العام.

فالمستشار الإعلامي، بخبرته التي تعادل قراءة لآلاف الأزمات السابقة، كان سيلفت النظر إلى الآتي:

من خلال تحليل الحساسية سيحذّر من أن التحدث عن “احترام القرارات” في وقت الغضب على قرارات اقتصادية معينة هو بمثابة إشعال للحطب اليابس.

بالإضافة إلى عزل المتغيرات: سيُنصح بتجنب الحديث عن أي موضوع يتداخل ولو من بعيد مع قضايا الطبقة المحدودة الدخل في تلك الفترة تحديداً، أو على الأقل، تغيير إطار الظهور ليصبح أكثر تواضعاً واقتراباً من الناس.

منع سوء الفهم: كان سيوجه إلى صياغة رسالة واضحة تماماً لا تحتمل التأويل أو الربط بأي شخص أو قرار محدد، أو تأجيل الظهور لحين هدوء العاصفة.

في النهاية، يظل مختصو الإعلام هم من يملكون الصورة الأوضح، ويعرفون أن نجاح الاتصال يرتكز على دعامتين: الأولى الرسالة السليمة والثانية التوقيت المناسب.

الاستشارة الإعلامية هي استثمار يضمن للشخصية العامة ألّا تقع في الأزمة أصلًا، وأن تدير ظهورها العام بوعي يحمي علامتها الشخصية وثقة جمهورها من عواقب سوء التقدير. إنها ضرورة حتمية للنجاة في زمن الشهرة المُلتهب.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *