تقود وزارة البيئة والمياه والزراعة تحولاً جذرياً يعتمد على توطين أحدث التقنيات الزراعية، بما يسهم في تحقيق أمن غذائي مستدام، وتقليص الاعتماد على الاستيراد، مع الحفاظ على الموارد المائية والطبيعية الثمينة.
بيئة زراعية متكاملة
ولم تعد البيئة الصحراوية التي تتسم بها المملكة عائقاً أمام طموحاتها الزراعية، بل تحولت إلى مختبر عملاق للابتكار، حيث أثمر تبني تقنيات الزراعة المائية والعمودية والبيوت المحمية عالية التقنية عن نقلة نوعية في أساليب الإنتاج، فاتحاً آفاقاً استثمارية واعدة أمام رواد الأعمال والمستثمرين في هذا القطاع الحيوي.
وتبرز أهمية هذه الثورة الزراعية في قدرتها على توفير أغذية آمنة وصحية، بفضل الحد من استخدام الأسمدة الكيماوية والمبيدات الضارة، فضلاً عن دورها في التغلب على الآثار السلبية للتغيرات المناخية. كما تسهم هذه التقنيات في رفع معدلات الإنتاجية وتحسين جودة المحاصيل دون استنزاف للموارد، مما يضمن زيادة دخل المزارعين وتحسين مستوى معيشتهم بشكل مباشر.
وتجسدت هذه الرؤية عملياً بوضع حجر الأساس لمشروع الزراعة الذكية في الرياض، الذي من المتوقع أن يصبح نموذجاً إقليمياً في تعزيز الابتكار الزراعي لتحقيق التنمية المستدامة في منطقة الشرق الأوسط.
تقنيات توفير مياه الزراعة
وتعتمد المملكة حالياً على حزمة من التقنيات التي أثبتت كفاءتها، أبرزها الزراعة المائية التي توفر المياه بنسبة تصل إلى 90% مقارنة بالزراعة التقليدية، والزراعة العمودية التي تتيح إنتاج محاصيل عالية الجودة في مساحات محدودة.
وتدعم الأرقام والإحصائيات هذه الإنجازات بشكل ملموس، حيث أظهرت نتائج المشروعات التجريبية التي يشرف عليها مركز ”استدامة“ أن إنتاجية البيوت المحمية عالية التقنية تفوق الزراعة التقليدية بشكل كبير. وعلى سبيل المثال، بلغ إنتاج محصول الطماطم في البيوت الزجاجية المتطورة 99 كيلوجراماً للمتر المربع الواحد، مع استهلاك مائي لا يتجاوز ثلاثة لترات للكيلوجرام الواحد، وبكفاءة قياسية في استهلاك الطاقة.
ولم تتوقف الابتكارات عند هذا الحد، بل امتدت لتشمل حلولاً واعدة مثل ”تقنية النانو“ التي تعزز كفاءة استخدام المياه بنسبة تتراوح بين 20 إلى 30%، و”المخصبات الحيوية“ التي تحسن نمو المحاصيل. كما أظهرت الدراسات أن إضافة ”الفحم الحيوي“ للتربة يقلل الفاقد المائي بالتبخر بنسب تصل إلى 11%، ويوفر ما يقارب 20% من مياه الري، مع زيادة الإنتاجية الزراعية بنسبة 37%.
وفي سياق متصل، برزت حلول مبتكرة لتحديات قطاع الأعلاف، حيث يعد نبات ”عدس الماء“ بديلاً واعداً بفضل محتواه العالي من البروتين الذي يتجاوز 40%، مما يقلل الاعتماد على فول الصويا المستورد، إلى جانب تبني زراعة الأعلاف الموسمية الشتوية التي تستفيد من مياه الأمطار وتقلل الضغط على المياه الجوفية.
وتأتي هذه الجهود المتكاملة ضمن استراتيجية وزارة البيئة والمياه والزراعة لتعزيز الإنتاجية وتحقيق الاستدامة، والتي تعد من المستهدفات الرئيسية لرؤية السعودية 2030، لتؤكد أن الإرادة والابتكار قادران على تحويل التحديات إلى فرص حقيقية تخدم الأجيال الحالية والمستقبلية.