لم أكن أعرف أنه المسؤول عن التحلية

كان كل شيء في حياتي كطالب يوجه مستقبلي نحو المياه الجوفية. فبعد الثانوية، كنت سعيدا باختيار كلية الزراعة. وكان يمكن اختيار أي كلية.. خاصة الصيدلة التي رفضت عرض عميد القبول والتسجيل بالتسجيل فيها. وحتى الزراعة بعد التحاقي بها، أيقنت أن مجال اهتمامي يوجد بكلية الآداب، لكن تخطيت عقبة الصراع لصالح مقولة: الجائع لا يضحك.
في المستوى الأول بكلية الزراعة تعرفت على طالب كلية الهندسة، «محمد التونسي»، الإعلامي المعروف. كان ذلك في حفل أقمناه في سكن الطلاب. حضره عميد شؤون الطلاب الدكتور محمود سفر -رحمه الله-، والذي أصبح وزيرا للحج والأوقاف لاحقا. كنت من المبرزين في الحفل. هذا ما شجع الزميل (التونسي)، ولم أكن أعرفه سابقا، ليعرض على شخصي الانتقال معه الى كلية الآداب قسم الاعلام. كان قسما جديدا. رفضت الفكرة. حاولت ثنيه على الانتقال. لكن قراره كان نهائيا. استشعر سعادته بأن شخصي سيكون أكثر نجاحا في الاعلام من الزراعة.
كنت قد استشرت أحد مشرفي الإسكان من الاخوة المصريين بفكرة الانتقال الى قسم الاعلام. لم يؤيد، وقال: يمكن أن تكون صحفيا ناجحا دون دراسة، ويمكن أن تكون أديبا ناجحا دون دراسة. أورد الكثير من الأمثلة. لم يكن يعلم أنه يدفع بشخصي نحو قضية المياه الجوفية.
عاد صراع بقائي في كلية الزراعة قبل تخرجي بسنة. قررت الانتقال لدراسة علم الفلك في كلية العلوم. لكن الله جنبني ذلك، بسبب أحد اساتذتي في كلية الزراعة. بعدها زالت نزعة الانتقال من الكلية بشكل نهائي. بالتأكيد كان ذلك لصالح المياه الجوفية فهي التي حصدت كل شيء في نهاية المطاف.
شرحت لأستاذي المصري في الكلية عن السبب خلف رغبتي ترك كلية الزراعة. اقنعني بأن هناك فرق بين الكلية والمعاهد الزراعية التطبيقية. اقتنعت برأيه. واصلت الدراسة لأمر كان يصب في مصلحة المياه الجوفية دون علمي.
خيبة الأمل من كلية الزراعة جاءت من بعض مقررات الدراسة. لم يكن لها صلة بالواقع الزراعي الذي تعلمته في معهد عمي «فرحان» أثناء سنوات دراسة الثانوية في منطقة الباحة. وجدت المقررات في شعب وما أعرفه في شعب آخر. لكن كان هناك مقررات دراسية تفاعلت معها بشكل استثنائي لأنها كانت تمثل خبرتي التطبيقية في زراعة تقليدية متوارثة في نظمها وتطبيقاتها بشكل علمي لا يخالف تلك المقررات.
في كلية الزراعة وبالتحديد عام «1976»، تشكلت جذوة شرارة قضية الماء التي أحمل دون علمي أيضا. شاهدت إعلانا في أحد أروقة الكلية يحمل معلومة عن وجود محاضرة يلقيها الأمير محمد الفيصل في فندق بالرياض، عن جبال ثلج سيجلبها، للوفاء باحتياجاتنا من المياه. قرأتها ولم يستوقفني أمرها. مع مروري المتكرر على الإعلان بدأ الفضول يأخذ مجراه في نفسي. تساءلت: لماذا يلقيها الأمير وليس أحدا غيره؟
ما شدني في الإعلان ليس موضوع المحاضرة. لكن الاسم هو الذي اغراني وحفزني بالحضور. كنت وقتها أتساءل: ماذا سيقدم هذا الأمير؟. لكن عرفت أنه ابن الملك فيصل الذي أحب. هذا عمق الفضول والتساؤلات. في حينه لم أعرف أن الأمير هو المسؤول عن التحلية في المملكة.
ويستمر الحديث.
mgh7m@yahoo.com

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *