دعوا العظماء يبدعون

اليوم لا يتسامح البعض ويطالب أن يكون الآخرون بلا أخطاء، وإذا وقع من قدوة تقصير عُلقت له المشانق.
كل إنسان له أخطاؤه، والله جل جلاله هو ستير، من الناجحين إلى الآباء والأمهات إلى المربين، فكل له هنّاته، ولكن يكفي أهل العطاء شرفاً ما يبذلوه، ولذلك يجب أن لا ننشغل عند أخطائهم ونسهم في تحطيم مشاريعهم.
تذكرت السكوت عن الزلات التي يمكن السكوت عنها وأنا أقرأ قصة جميلة من تاريخنا العظيم لخالد بن عبد الله القسري الوالي الأموي تقول أنه ركب في يوم شديد البرد كثير الغيم، فتعرض له رجل في الطريق، فقال له: ناشدتك الله إلاّ ضربتُ عُنقي، فقال له: أكُفْرٌ بعد إيمان؟ قال: لا، قال: أفترغب عن طاعة الرحمن؟ قال: لا، قال: أفقتلتَ نفساً؟ قال: لا. قال: فما سبب ذلك؟ قال: لي خصم لَجوجٌ قد علق بي، ولزمني وقهرني، قال: من هو؟ قال: الفقر! قال: فَكم يكفيك لدفعه؟ قال: أربعة آلاف درهم، قال: إني مُمدَك بأربعة آلاف درهم. ثم قال خالد: يا غلام ادفع له أربعة آلاف درهم، والتفتَ وقال: هل ربح أحد في التجار كربحي اليوم؟! قالوا: وكيف ذلك؟ قال: عزمت على أن أعطي هذا الرجل ثلاثين ألف درهم، فلما طلب أربعة آلاف درهم وفّر علي ستة وعشرين ألف درهم. فلما سمع الرجل ذلك منه قال: حاشاك وأعيذك بالله أن تربح على مؤمّلك، فقال: يا غلام أعطه ثلاثين ألفاً، ثم قال للرجل: اقبض المال، واذهب آمناً إلى خصمك، ومتى رجع يعارضك فاستنجدْ بنا عليه!
هذا الموقف من مواقف خالد القسري أبقى ذكره، وأذهب عيوبه، ومن منا بلا عيوب.
ورد عن الإمام مالك قوله: بلغني عن القاسم بن محمد كلمة أعجبتني، وذاك أنه قال: من الرجال رجال لا تذكر عيوبهم، وقال الإمام عبد الله بن المبارك رحمه الله: إذا غلبت محاسن الرجل على مساوئه لم تذكر المساوئ، وإذا غلبت المساوئ عن المحاسن لم تذكر المحاسن.
دعوا العظماء يقدمون، دعوا المنتجين يبدعون، ولا تنشغلوا بما يشغلهم ويحطمهم، فوجودهم خير وبركة.
aldabaan@hotmail.com

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *