الفضفضة

أن تكون لديك الرغبة في مشاركة همومك أو أمر ما يثير قلقك أو حتى بعض تفاصيل يومك مع شخص قريب إلى نفسك، سواء كان هذا الشخص أحد أفراد الأسرة أو الأصدقاء المقربين وفي بعض الأحيان زميل في العمل وربما يجد الكثير في أحد الأشخاص الذين يصادفهم يوميا ضمن روتينه الصباحي وهو في طريقه إلى العمل شخصا مريحا ليتجاذب معه بعض أطراف الحديث ويفضفض له بعض ما في خاطره.
الفضفضة هي تعبير الإنسان عن مشاعره وأفكاره ومعاناته للآخرين، وهي في عصرنا الحاضر ومع تسارع وتيرة الحياة وزيادة ضغوطها أصبح سلوكاً يحمل قيمة هامة في الحفاظ على الاتزان النفسي، وغالبًا ما يُنظر إلى الفضفضة على أنها وسيلة لتخفيف الضغوط النفسية، وتحقيق التوازن العاطفي. إلا أن هذا السلوك الذي يبدو صحيًّا في ظاهره، قد يحمل في طيّاته العديد من الأضرار إذا ما تم استخدامه بشكل مفرط أو غير واعٍ.
عندما يُصبح الإنسان غير قادر على التعامل مع مشكلاته دون اللجوء إلى الفضفضة للآخرين، فإنه يطوّر نوعًا من الاعتمادية العاطفية. وهذا يقلل من قدرته على الصمود النفسي، ويضعف
مهاراته في التكيّف مع الضغوط دون دعم خارجي.
في كثير من الأحيان، لا يكون من نفضفض لهم جديرين بثقتنا، وقد يُسيئون استخدام ما نشاركه معهم. قد تُفشي أسرارك، أو تُستخدم كلماتك ضدك في وقت لاحق، ما يسبب ألمًا نفسيًا وخيبة أمل يصعب نسيانها.
الفضفضة المتكررة حول نفس المشكلة قد تؤدي إلى ما يُعرف بـ»الاجترار العاطفي»، حيث يعيد الشخص تكرار الألم بدلًا من تجاوزه. هذا النوع من الفضفضة لا يُخفف الضغط، بل يكرّسه ويُضخّمه، ويزيد من مشاعر الغضب.
قد لا يكون الطرف الآخر قادرًا دائمًا على تحمّل كمية الفضفضة الملقاة عليه، خاصة إذا تكررت بشكل يومي أو حملت طاقة سلبية عالية. هذا يُرهقهم عاطفيًا، وقد يؤدي إلى تراجعهم عن العلاقة أو خلق فجوة في التواصل.
الفضفضة المستمرة عن نقاط الضعف أو الفشل قد تكرّس صورة ذهنية سلبية عن النفس، سواء أمام الآخرين أو أمام الذات. وقد تؤدي إلى ضعف الثقة بالنفس مع مرور الوقت، خاصة إذا ارتبطت بعجز عن اتخاذ قرارات أو حل مشكلات.
كلما زادت الفضفضة، قلّت الخصوصية. وبعض الأمور من الأفضل أن تبقى داخل حدود النفس، أو تُطرح في أطر أكثر أمانًا مثل العلاج النفسي. فالإفراط في مشاركة التفاصيل الشخصية قد يُعرّض الشخص لمواقف محرجة لاحقًا.
ليست الفضفضة سلوكًا سلبيًا على الإطلاق، بل قد تكون علاجًا ناجعًا إن أحسنّا استخدامها فالفضفضة، كسائر السلوكيات الإنسانية، سلاح ذو حدين. قد تكون متنفسًا صحيًا في بعض الأحيان.
لكن ورغم كل ذلك يجب ان تكون هذه الفضفضة باعتدال واتزان، فهي قد تتحول إلى مصدر ضرر نفسي واجتماعي إذا لم تُمارس باعتدال ووعي. لذا، من الحكمة أن نُفرّق بين الحاجة للحديث، والحاجة للحل، وأن نُحسن اختيار من نُشاركه عواطفنا.
nesreenfahad@yahoo.com

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *