كثيرًا ما نسمع عبارات مثل: «هذه الكتب ستغير حياتك!»، أو «اقرأ هذه القائمة من الكتب لتصبح شخصًا أفضل!»، لكنني أجد نفسي أعترض على هذه الدعوات، واعتراضي ليس اعتباطيًا، بل منطقي ومبرر. نعم، هناك كتب تحمل قيمة معرفية وفكرية عظيمة، تفوق غيرها في تأثيرها أو عمقها، لكنها لا تكفي وحدها لتشكل كل ما نحتاجه من معرفة. إن حصر القراءة في خمسة أو عشرة كتب فقط، والإغفال عن بقية الكنوز الأدبية والفكرية، هو بمثابة تقييد للعقل وتضييق لأفق المعرفة.
عالم الكتب واسع، متجدد، ومليء بالجواهر الفكرية التي تنتظر من يكتشفها. كل كتاب نقرأه يفتح أمامنا أبوابًا جديدة للمعرفة، يوسع آفاقنا، ويحفزنا على استكشاف المزيد. إنها رحلة عبر الأزمنة والحضارات، تنقلنا من فكر إلى آخر، ومن ثقافة إلى أخرى. الكتب ليست مجرد صفحات مطبوعة، بل هي جسور تربطنا بعقول المفكرين والكتاب عبر العصور، تمنحنا فرصة للحوار مع أفكارهم، والغوص في تجاربهم.
ومن الجميل أن نجد كتبًا تتشابه في مواضيعها، لكنها تقدمها بأساليب مختلفة تناسب تنوع الثقافات والأذواق. هذا التنوع ليس عيبًا، بل ميزة تجعل عالم القراءة غنيًا ومثيرًا. أسلوب الكاتب، خبراته، وطريقته في صياغة الأفكار تلعب دورًا كبيرًا في جذب القارئ. فما يستهوي قارئًا قد لا يجذب آخر، وهذا ما يجعل القراءة تجربة شخصية بحتة. كل فرد يختار الكتاب الذي يشبع نهمه الفكري، ويلبي شغفه المعرفي، وهذا الاختيار يعكس هويته واهتماماته.
إن الخطأ الأكبر يكمن في حصر معرفتنا في مجموعة محدودة من الكتب، وإغلاق الأبواب أمام استكشاف المزيد. المعرفة بحرٌ لا نهائي، لا يقف عند حد أو عدد معين من الكتب. كلما قرأنا أكثر، اكتشفنا أن هناك المزيد لنتعلمه، والمزيد لنكتشفه. القراءة ليست مجرد هواية عابرة، بل هي رحلة مستمرة تتطلب شغفًا وصبرًا. إنها طريق طويل لا يسلكه إلا من يحب الغوص في أعماق الكتب، واستكشاف مكنوناتها.
في النهاية، دعونا لا نضع حدودًا لمعرفتنا، ولا نكتفي بقوائم جاهزة من الكتب «التي ستغير حياتنا». فلنفتح قلوبنا وعقولنا لعالم القراءة الواسع، ولننطلق في هذه الرحلة بلا توقف، لأن كل كتاب هو مغامرة جديدة، وكل صفحة هي خطوة نحو فهم أعمق لأنفسنا وللعالم من حولنا.
fatemaalhqbani52@gmail.com