الرياض تضحك

إلى أبنائي الذين علّموني أن المرء يلعب ليحيا طفلاً، ويضحك ليبقى على الدوام شابًّا.
هكذا أهدى د. زكريا إبراهيم أحد كتبه من سلسلته مشكلات فلسفية معاصرة، إعلانًا فلسفيًا عن إيمان عميق بأن اللعب والضحك ليسا ترفًا، بل ضرورة وجودية تبقينا على قيد الفرح.
في كتابه مشكلة الحياة، تناول الوجود من نافذة البهجة، مُعيدًا الاعتبار لأنشطة الحياة اليومية: اللعب، الضحك، والاستمتاع. وكم أحبّ هذا الجزء، فهو لا يخاطب العقل وحده، بل يدعو الروح إلى التحرر من الصرامة والاحتفاء بخفّتها.
يتسلّل إلى ذهني هنا برتراند رسل، الذي انتقد نمط الحياة الحديثة الصارم والإيقاع اللاهث، مؤكدًا أن الحياة الشاقّة بلا فراغ أو تنعم أو لعب تولد القلق والتوتر. فالحضارة لم تنشأ من المشقة وحدها، بل من أوقات الفراغ التي أتاحتها للعقل للتأمل والإبداع.
فلولا أهل الفراغ لما قامت الحضارة على أكتاف الفلاسفة والأدباء والفنانين، الذين صاغوا معنى جديدًا للحياة. وهكذا، كانت الحضارة ثمرة اللعب والدهشة والتأمل، لا مجرد العمل والإرهاق.
وقد وجدت هذا التجسيد الحي في مهرجان الكوميديا بالرياض، مع الكوميديان العالمي جابريل إغليسياس «Gabriel Iglesias»، الذي لا يكتفي بإضحاك الجمهور، بل يمنحهم درسًا في الإنسانية. تحدّث عن الأم التي تحمل عبءَ الأبوة والأمومة، عن الحب والزواج، وعن كيف تصنع التجارب شخصياتنا. جسّد عمليًا نظرية يوغا الضحك، بتحويل التحديات إلى نكات والسخرية من الصعوبات بدل الانغماس فيها. الكوميديا عنده ليست هروبًا، بل مقاومة: يضحك ليُشفى، ويُضحك ليُحبّ، ويُحبّ ليعيش.
وفي خضم هذه الرحلة، أجدني أرغب أن أعيد بعض حساباتي، وأرتب الأولويات لكي أجد من الوقت ما يكفي خلال ساعات الصباح ، بعيداً عن تلك التي أقضيها في عملي، لأتفرغ للعب والإبداع والكتابة ولأعيش كما يجب أن يعيش الإنسان: حرًا، سعيدًا، ضاحكًا، وشابًّا على الدوام..
وفي الختام.. دعونا نكفّ عن مطاردة الساعات، ونحيا.. لا نعمل فقط.. فالضحك واللعب ليسا ترفًا، بل ثورة صامتة ضد عالم يريد منا أن نكدّ بلا توقف.
raedaalsaba@gmail.com

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *