البشت.. على حافة التاريخ

لا يعرف متي بدأ الإنسان العربي استخدام الرداء فوق الملابس العربية. إلا أن مصادر السيرة تؤكد جود صناعته في الظهران وفي الأحساء ومنذ زمن النبوة. فقد ورد في كتب السير في حديث أبي موسى أنه كسا في كفارة اليمين ثوبين ظهرانيان ومعقد. والظهراني ثوب يجاء به من الظهران بالمنطقة الشرقية والمعقد هو طراز ونوع يأتي به من هجر. والظهران القديمة على ما يعرف بتقارير الأثريين هي في موقعها الحالي بما اكتشف من آثار. المنطقة الشرقية غنية بتراثها القديم في صناعة لهذه الانسجة ومنذ زمن النبوة.
وها نحن ومنذ ذاك التاريخ وقد اختلف وتغير المكان والزمان واندثرت الظهران القديمة وبقيت الأحساء صامدة بكل شموخ حتى ان صناعتها تطورت وعرف ذاك الثوب القديم من تصميم باسمة المحلي «بشت». وكان الرجال في الأحساء يعتبرونه جزء من زيهم الرسمي اليومي ولا يخرجون دونه، وكذلك النساء بما يلبسونه بما يعرف من عباءة رأس مزينة نعرف بعباءة الرأس. وإن عدنا إلى الماضي القديم لوجدنا أن في زمن سيدنا المسيح -عليه السلام- بما يروى عن ولادته أن كان في زمنه يرتدون تلك الأردية. فهو زي العرب وهو زي المنطقة ومنذ قديم الأزمنة. وقد انتشر تصميم الرداء الأحسائي بما يعرف بالبشت بنوعيه الرجالي والنسائي بكافة أرجاء الجزيرة العربية، فنرى الأحسائي يستوطن بلاد الشام وينقل ذاك التصميم والمواد إليها وكذلك العراق والخليج العربي وكافة أرجاء شبه الجزيرة العربية حتى دعي بمثابة النفط القديم.
ورغم موطنها الأحسائي وتغير أفراده إلا أن هذا النوع من الأردية وتسميته أصبح البشت الزي الرسمي لكافة الخليج العربي وبعض الدول المجاورة. ولبس البشت جزء من الزي التقليدي والثقافي والاجتماعي اليومي للمنطقة، وهو كذلك يمثل الهوية والتراث السعودي ويرتدي في المناسبات الرسمية والخاصة. وقد صدر مؤخرًا قرار ملكي سعودي يلزم فئات معينة بارتداء البشت في ظروف محددة، مثل المحامين والقضاة والوزراء والمسؤولين، وذلك لتعزيز الهوية الوطنية وترسيخ التقاليد.
ورغم تاريخه العريق وقدمه نرى اليوم تقلص استخدامه، فما عاد زيا رسميا يرتدى يوميا للخروج من المنزل أو للمسجد في صلاة الجمعة أو حتى في الأعياد بل وحتى في الأحساء موطنه الأصلي وفي دول الخليج العربي. ففي البحرين على سبيل المثال كما في كافة أنحاء الخليج العربي توقف الناس عن استعمال البشت في مناسباتهم اليومية واحتفالاتهم كما في التقدم للزواج وهو أمر ملحوظ. ونشاهد اليوم في أسواق الخليج الرئيسة كما في الإمارات من بشوت عادية مقلدة رخيصة غير يدوية تباع على أغلى الأثمان أو من محاكاة للبشوت النسائية. وليس هي لوحدها فهو نمط مجتمعي ملاحظ وحتى في دول قطر والكويت وعمان ففيها من تغيير الطباع والعادات أيضا ما شاهدناه من عادات اهل الأحساء.
ومما لا شك فيه ان للإعلام دور كبير في الخليج العربي فقلما تشاهد اليوم استخدام البشت في المسلسلات والأفلام وهي ظاهرة، فقد اختفى البشت من الزي والمشاهد الإعلامية من مسلسلات وأفلام. كذلك هي أيضا تلك الصور من المناسبات الرسمية. ونتمنى ذات يوم أن كل الخليج العربي يحتفي برداء البشت عودا لأصالته وحتى لا يعود مجرد ذكرى فهو جزء منا ومن هويتنا ومن عروبتنا. والخير لا زال بالمجتمع العام وبأهل الخليج لما يمثله هذا الرداء من معاني وقيم ومنذ الأزمنة القديمة.
abuaziz@gmail.com

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *