مهنة الأنبياء.. المعلم بين التحديات والقرارات

لطالما آمنت أن مهنة التعليم هي من أنبل المهن وأشرفها على مر التاريخ، وهي مهنة الأنبياء الأساسية حيث يبعث الله عباده المصطفين لتعليم البشر دينهم، فالمعلم هو المحطة الأولى، بعد العائلة، في تشكيل وتطوير الفرد الذي يمثل نواة المجتمع وبالتالي هو أحد أهم أسس البناء لتنمية وتطوير أي دولة. والمعلم ليس مجرد ناقل للمعلومة، بل هو موجه ومربي يتعامل مع طلاب من خلفيات متنوعة وظروف مختلفة، ويشكل أساس بناء الأجيال القادمة.
أننا ندرك أن المعلم يواجه تحديات لا يمكن مقارنتها بتحديات الأب والأم في المنزل، فبينما يتعامل الأهل مع أبنائهم الذين غالباً ما يكونون متشابهين في البيئة والظروف والسلوك، يجد المعلم نفسه في مواجهة طلاب من خلفيات مختلفة ومتنوعة حيث يتعامل مع طيف واسع من الشخصيات والتحديات مع طلاب يأتون من بيئات اجتماعية مختلفة، والذين لديهم مستويات فهم متفاوتة، وظروف شخصية متنوعة وحالات اجتماعية متناقضة عليه أن يضعها في الحسبان كلما هم باداء عمله.
هذا التنوع يفرض على المعلم ضغوطاً أكبر بكثير من مجرد تعليم مادة دراسية. إنه يتطلب منه أن يكون مرشداً وموجهاً وقادراً على فهم احتياجات كل طالب وتلبيتها، وهذا في حد ذاته تحدٍّ كبير. لذا، من الضروري أن نمنح المعلم المساحة والمرونة في ساعات عمله، حتى يستطيع أن يواجه هذه التحديات دون أن يشعر بالإرهاق المفرط أو الضغط الذي قد يؤثر على أدائه وعلى جودة التعليم التي يقدمه.
يجد الآباء والأمهات معاناة جوهرية في التعامل مع أبناءهم ذوي الخلفيات المتشابهة فيما يصطدم المعلم في مجتمع فسيفسائي بتنوعه ذهنياً وفكرياً ومادياً وثقافياً وسلوكياً وغيره يتطلب منه أن يظهر في أداءه بشكل يتناسب مع كل هذا التنوع ليصبح مثقل بدور ريادي وحساس نظراً لاهمية ما يقدمه في بناء شخصيات الطلبة التي تنعكس على المجتمع في نهاية المطاف.
وقد ظهرت في الآونة الأخيرة حزمة من قرارات وزارة التعليم التي تهدف لضبط وتنظيم المشهد التعليمي، وهي قرارات تُقدّر من ناحية الحد من التجاوزات ومن حق الوزارة أن تضع أطر تنظيمية، لكن من المهم أن تراعي حجم التحديات التي يواجهها المعلم وألا تؤدي هذه القرارات إلى مزيد من الضغط قد يؤثر على أداء هذه المهنة النبيلة حيث أن التوازن بين التنظيم والدعم النفسي والمهني للمعلمين هو المفتاح لضمان استمرارهم في أداء رسالتهم على أكمل وجه.
كما التمس من الوزارة والمعنيين بالتشريعات الخاصة بهذه المهنة أن ينظروا للصورة كاملة ولكافة الجوانب دون التركيز على ساعات العمل فقط أو على مدة إجازات المعلمين التي أراها مستحقة وفرصة حقيقية لإعادة شحن هممهم وتجديد طاقتهم وحماسهم الذهني الذي يعد ركيزة أساسية في نجاح نقل رسالتهم ومهنتهم النبيلة.
لذلك، فإني أعتقد أن أي قرار يزيد من عزلته أو يقيد حركته وحريته في الابتكار والتأقلم مع هذه البيئة المتشعبة والمعقدة، بدلاً من حلها، كما ينبغي أن نسلح المعلمين بالدعم النفسي والمادي، وأن نمنحهم الثقة والمساحة الكافية ليبدعوا في أداء رسالتهم، لأن فكرة استثناء المعلم هو في الأساس استثناء لمستقبل أمة بأسرها.
harbimm@gmail.com

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *