التطبع يغلب الطبع

يروى أن ضفدعاً كان يقفز بين أوراق الأشجار الطافية بعد أن أغرق ماء النهر بفيضانه الأرض حوله، فلمح عقرباً يقف حائراً على أحد الصخور، قال العقرب للضفدع: يا صاحبي ألا تعمل معروفاً وتحملني على ظهرك لتعبر بي إلى اليابس فإني لا أجيد العوم، ابتسم الضفدع ساخراً وقال : كيف أحملك على ظهري أيها العقرب وأنت من طبعك اللسع؟ قال العقرب في جدية: أنا ألسعك؟! كيف وأنت تحملني على ظهرك، فإذا لدغتك مت في حينك وغرقت وغرقت معك؟!
تردد الضفدع قليلاً وقال: كلامك معقول ولكني أخشى أن تنسى. قال العقرب: كيف؟ إن كنت سأنسى المعروف، فهل أنسى أني معرض للموت؟ بدت القناعة على الضفدع بسبب لهجة العقرب الصادقة، فاقترب وقفز العقرب على ظهره وسار الضفدع، وفي وسط النهر تحركت أطراف العقرب في قلق، وتوجس الضفدع شرًا، فقال للعقرب في ريبة: ماذا بك؟ قال العقرب في تردد وقلق: لا أدري، شيء يتحرك في صدري.
زاد الضفدع من سرعته عوماً وقفزاً في الماء، وإذا به يستشعر لسعة قوية في ظهره، فتخور قواه بعد أن سرى سم العقرب في جسده، وبينما يبتلع الماء جسديهما نظر الضفدع إلى العقرب في أسى، فقال العقرب في حزن شديد قبل أن يبتلعه الماء: اعذرني يا صاحبي فإن الطبع غلاب.
تستغل مثل هذه القصة في إثبات عدم إمكانية التغير، لأن الطبع يغلب التطبع بينما الحقيقة أن كل إنسان يمكنه التغير بالمحاولة. ليس شيء عولج إلا نفع وإن كان ضاراً، ولا شيء أهمل إلا ضر وإن كان نافعاً.
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، ومن يتحر الخير يعطه، ومن يتق الشر يوقه»، وكان صلى الله عليه وآله وسلم يسأل ربه: اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت.
وقد قال الإمام الغزالي رحمه الله: ‹لو كانت الأخلاق لا تقبل التغيير لبطلت الوصايا والمواعظ والتأديبات، ولما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [حسنوا أخلاقكم] . وكيف ينكر هذا في حق الآدمي وتغيير خلق البهيمة ممكن، إذ ينقل الصقر من الاستيحاش إلى الأنس، والفرس من الجماح إلى سلاسة الانقياد.
إذن توكل وتغير ولا تستسلم لما تظنه قدرك.
aldabaan@hotmail.com

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *