روحنا في مطاراتنا

مع بداية موسم جديد، وبعد أن عاد أبناء الوطن من أسفارهم واستقروا في أعمالهم ودراستهم، تبقى المطارات شاهدة على حكايات السفر والتنقل. فالبعض اختار الناقل الوطني، فيما فضّل آخرون المرور عبر مطارات خليجية شقيقة ومجاورة. لكن السفر ـ في جوهره ـ ليس مجرد انتقال من مكان إلى آخر، بل هو مدرسة مفتوحة للتجارب والملاحظات. فأنت تتعلم، وتدوّن، وتلتقط بعينيك مشاهد قد لا تُنسى.
المطار.. هوية وثقافة قبل أن يكون ممراً.من أبرز ما لفت نظري في أسفاري عبر عدد من المطارات العالمية، هو ذلك الحضور الطاغي للمنتج المحلي لتلك الدول، حيث يتحول إلى جزء من هوية المطار نفسه.
في أحد المطارات، وجدت فاكهة المانجا وقد تحولت إلى متاجر نابضة بالحياة داخل صالات السفر، لتشكّل حركة اقتصادية، وتعكس صورة ثقافية للبلد أمام المسافرين. مشهد بسيط في ظاهره، لكنه عميق الدلالة: المطار هنا لا يكتفي بأن يكون بوابة عبور، بل نافذة تعرّفك على ثقافة وهوية المكان.
وهذا ما تؤكده الدراسات الأكاديمية، حيث يشير الباحثان البريطانيان Halpern & Graham (2016) في كتابهما The Routledge Companion to Air Transport Management إلى أن الأنشطة غير الملاحية «مثل المتاجر، المطاعم، الإعلانات، المواقف» تشكّل في كثير من المطارات ما يقارب 50% من الإيرادات، وهو ما يحول المطار من مجرد نقطة عبور إلى مركز تجاري وخدمي متكامل.
في المملكة، لدينا ثروة من المنتجات الزراعية والموسمية التي أصبحت هوية وعلامة وطنية عالمية. فمثلاً التمور، مهرجان التمور في الأحساء وبريدة يضع المملكة في صدارة دول إنتاج وتصدير التمور. اللومي الحساوي، منتج فريد ارتبط بالمنطقة الشرقية وحُفظت قيمته من خلال مهرجان خاص. الورد الطائفي، تحوّل إلى صناعة عطرية فاخرة وصلت إلى العالم. نعناع المدينة، برائحته الزكية وقيمته التراثية بات شاهداً حياً على عراقة الأرض وكرمها، وركيزة من ركائز الهوية الزراعية في طيبة الطيبة. زيتون الجوف وذهبها الأخضر، مانجو جيزان بألوانه الزاهية ونكهته المميزة، القهوة السعودية برائحتها العطرة وأصالتها، والتي بات صندوق الاستثمارات العامة يستهدف من خلال الشركة السعودية للقهوة استثمارًا يقارب 320 مليون دولار «1.2 مليار ريال» خلال العشر سنوات المقبلة لتعزيز مكانة المملكة في هذا القطاع.
هذه المنتجات ليست مجرد محاصيل، بل قصص نجاح وطنية تحمل معها فرصاً استثمارية هائلة. ولا تقتصر القيمة على المنتجات الطازجة فقط، بل يمكن للمطارات أن تصبح منصات لعرض الصناعات التحويلية الغذائية وكل ما ارتبط بها بدءاً من عبوات التمور الفاخرة وهدايا العيد إلى عطور الورد الطائفي ومنتجاته التجميلية. ومن مشروبات اللومي الطبيعية إلى الحلويات المبتكرة من المانجو والتمور والليمون والرمان وغيرها من منتجاتنا المحلية.
بهذا الشكل، يتحوّل المطار إلى واجهة اقتصادية وثقافية، ويصبح كل متجر قصة نجاح لرائد أعمال محلي أو علامة تجارية محلية، وكل تجربة شراء، إعلانًا مجانيًا عن هوية المملكة.
اليوم، مع رؤية السعودية 2030 وتنامي السياحة الدولية والداخلية، أصبحت مطاراتنا هي أول انطباع وآخر ذكرى يحملها الزائر. وإذا كانت المطارات العالمية قد نجحت في إبراز هوياتها عبر منتجاتها المحلية، فإن المملكة تمتلك مخزونًا أعمق وأغنى وإرثًا هائلًا يمكن أن يحوّل مطاراتنا إلى أسواق عالمية مصغّرة، تحكي قصة الأرض والإنسان، وتفتح أسواقًا جديدة للمنتج المحلي.
ختاماً, إن «روحنا في مطاراتنا» ليست مجرد شعار، بل مشروع وطني متكامل لعلامة تجارية تحمل شعار صُنع في السعودية. مشروع يمكنه أن يصنع فارقًا اقتصاديًا وثقافيًا، ويخلق العديد من فرص العمل لأبنائنا وبناتنا ويجعل من كل مطار سعودي منصة تسويق عالمي تروي للعالم قصة المملكة وهويتها.
aalmaghlouth@gmail.com

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *