عندما كانت الأطلال غرضا شعرياّ

من أغراض الشعر العربي الجاهلي كان البكاء على الأطلال..
قال امرؤ القيس: كأني غداة البين حين ترحّلوا
لدى سمرات الحيّ ناقفُ حنْظَلٍ .
ناقف الحنظل: هو من تدمع عيونه من البكاء من أثر حبوب لقاح الحنظل وهة نبات مرّ المذاق.
يمر على الأطلال القديمة في شرق وشمال المتوسط زمن طويل قبل أن يستطيع التاريخ أن يُعطيها اسم «أطلال».
ولا أعرف في الإنجليزية مقابلا لمفردة أطلال. وأقرب شيء في ذهني الآن هي مفردة «RUINS» وهي لا تعني فقط الآثار الباقية أو المباني، بل تعني أيضا الدمار «DEVASTATION» أو الخراب «Desolation».وفي أدبيات العرب التقليدية ترددت عبارة البكاء على الأطلال كغرض من أغراض الشعر العربي في تلك المرحلة. وكانت غرضاً شعرياً شائعاً يبدأ بها بعض الشعراء قصائدهم.
لخولة أطلال ببرقة ثهمد
تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليدِ
هكذا افتتح طرفة بن العبد معلقته.. وغيره كثير.
والأطلال مرتبطة بالرمل والصحراء والعوامل المناخية، هذا في الصحراء العربية حيث تبدو «كباقي الوشم في ظاهر اليدِ». كذلك ارتبطت بالرحيل: ودّع هريرة إن الركب مرتحلُ.
والمدى الزمني الذي تتكون فيه الأطلال في الصحراء العربية قصير جدّا. فالـ أكروبوليس في أثينا يعود إلى 500 قبل الميلاد. ومع ذلك بقي تحفة معمارية وإنجازا حضاريا.
وهريرة عندما ارتحلت ستصبح مرابع أهلها أطلالا وبرقة ثهمد قفرا.
وحسبة بسيطة تجعل قارئ الشعر الملحمي يجزم أن خولة رحلت مع أهلها قبل عشر سنوات فأصبحت منازلهم أطلالا تلوح وسط الرمال.
وفي عصرنا.. وفي بلادنا العربية، من يصدّق أن مباني إسمنتية عامرة قبل أقل من عشرين سنة، أصبحت الآن أطلالا في أواسط وأطراف أمهات مدننا الكبيرة.
يظهر أن الارتحال ملازم لذوي الجذور الصحراوية. فالباحث في الشعر النبطي الجيّد سيجد محمد بن لعبون تعاطى البكاء على الأطلال أيضا في أبيات من قصيدة طويلة عنوانها «يا منازل ميّ» قال:
من هموم في قلوب في جسوم
في بيوت في ديار في عدام
غيرت فيها تصاريف النجوم
وأبدلت فيها بعين ما تنام
عوضت عنها الضعاين بالهدوم
وانتحاب البوم عن سجع الحمام
binthekair@gmail.com

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *