المعلم.. مستقبل التعليم يبدأ من هنا

في زمن تتسارع فيه وتيرة التغيرات العالمية، وتتصاعد فيه المنافسة بين الدول على بناء المعرفة والابتكار، يبقى المعلم هو الركيزة الأساسية التي يقوم عليها أي مشروع تنموي في مختلف القطاعات الخدمية.
ولذا، تبرز أهمية استثمار وزارة التعليم في المعلمين باعتبارهم الخيار الاستراتيجي المترجم لمستهدفات الرؤية الوطنية 2030م نحو بناء رأس مال بشري قادر على المنافسة والإبداع. ومع ما تشهده الجامعات السعودية من إقبال كبير من المعلمين والمعلمات للانضمام ضمن برامج الدراسات العليا بمختلف تخصصاتها في ظل إيمان قادة التعليم ومنظّروه بأهمية دور المعلم باعتباره العامل الحاسم في جودة مخرجات التعليم وبناء رأس المال البشري الذي تراهن عليه الدول لتحقيق التقدم. والمكون الأهم في المنظومة التعليمية، والأداة الأساسية والفعّالة في تحقيق مستهدفات برنامج تنمية القدرات البشرية، وأنه لم يعد دوره مقتصراً على تلقين المعرفة، بل أصبح قائداً للتغيير، وموجهاً لمهارات التفكير والإبداع، وراسماً لمستقبل الوطن المشرق -بإذن الله تعالى-.
وتحتفل المدارس بيومه العالمي، اعترافاً بفضله وإبرازاً لمكانته؛ إلا ما يًشاهد في المقابل من غض الطرف من معالجة التحديات والصعوبات التي تواجهه في رحلته التطويرية، والعمل على التركيز على الانضباط حضوراً وانصرافاً دون الإشادة بمستويات الإنتاج في ظل محدودية الإمكانيات في أحيان كثيرة. ومن هنا كان لازماً على وزارة التعليم أن تحتفي بأولئك المعلمين والمعلمات ممن يقطعون الفيافي والقفار قبيل صلاة الفجر وحتى الساعات المتأخرة من الظهيرة، ليبدؤون رحلة التعلم والتعليم في الجامعات وحتى الساعات المتأخرة من الليل وهكذا دواليك.
إن العناية بأولئك المتميزين والمتميزات أمر جدير بالعناية والاهتمام لأثره البالغ في تطوير المنظومة التعليمية بمختلف مكوناتها، ومحفزّاً لزملائهم وزميلاتهم للانضمام في رحلة التطوير المهنية التعليمية، وقدوة لطلابهم وطالباتهم ليتسنوا بهم وينهجوا نهجهم، ويرفع من مستوى الرضا الوظيفي لديهم. فالاستثمار الحقيقي لا يكمن في دورة تدريبية عابرة أو لقاء تنشيطي مقتضب، بل في التشجيع والتحفيز لصناعة باحثين وباحثات للإسهام في دراسة الواقع وتطويره، وتقديم المبادرات التعليمية المبتكرة؛ بما يعزز تحول المدارس إلى بيئات تعليمية محفزة على التفكير والإبداع.
ويبقى الاستثمار في المعلمين والمعلمات رهاناً وطنياً طويل الأمد، فالمعلم المؤهل وكذلك المعلمة المؤهلة هما من يصنعان أجيالاً قادرة على قيادة المستقبل. وفي ظل هذا التوجه، تمضي المملكة بخطوات واثقة نحو تحقيق مستهدفات الرؤية الوطنية 2030، التي تجعل من التعليم مدخلاً لبناء اقتصاد مزدهر ومجتمع معرفي عالمي المنافسة. ومتى ما تم تعزيز هذا الاستثمار بشكل مستمر، فإن أثره سيمتد إلى جميع مجالات التنمية المستدامة، لتصبح المدرسة بيئة لإطلاق الطاقات البشرية التي تشكل أعظم ثروة للوطن.
ومن الحلول العملية الداعمة لأولئك المعلمين والمعلمات المنتظمين والمنتظمات ببرامج الدراسات العليا تحفيزهم من خلال تسهيل الإجراءات الإدارية يعد ركيزة أساسية، بدءًا من منح الإجازات الدراسية، ومرورًا بجدولة مرنة لساعات العمل، وانتهاءً بتخصيص مقاعد في برامج الماجستير والدكتوراه عبر شراكات بين وزارة التعليم والجامعات. مثل هذه الخطوات تجعل الطريق ممهّدًا أمام المعلمين دون أن تتأثر مسؤولياتهم التربوية. وأخيراً فتحفيز المعلمين والمعلمات لإكمال الدراسات العليا ليس ترفًا، بل ضرورة وطنية واستراتيجية، تعزز رأس المال البشري وتضمن جودة التعليم. فالمعلم حين يُمنح فرصة للنمو العلمي، يمنح المجتمع مستقبلًا أكثر إشراقًا.
malwadai@kku.edu.sa

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *