في عالم يشهد تغيرات متسارعة على المستويين السياسي والاقتصادي، بات السؤال الجوهري أمام خبراء التسويق هو: أين يمكن للعلامة التجارية أن تجد جمهورًا مؤثرًا ومؤهلاً للتفاعل الحقيقي؟ في مقاله المنشور مؤخرًا في صحيفة «USA TODAY»، الأمريكية يطرح مستشار الرئيس كلينتون السابق وخبير أبحاث التسويق، مارك بن، إجابة حاسمة: الإعلان في الأخبار ليس مجرد خيار محفوف بالمخاطر، بل هو ضرورة استراتيجية لكل علامة تجارية تبحث عن التأثير والنمو المستدام.
يرتكز طرح بن على نتائج دراسة “مستقبل الأخبار” التي أجرتها شركة «Stagwell» لقياس تأثير الإعلان. فقد اختُبرت مجموعة متنوعة من 20 إعلانًا لعلامات تجارية عالمية عبر قطاعات التكنولوجيا، السفر والضيافة، السلع الاستهلاكية المعبأة، الخدمات المالية، وصناعة السيارات. النتيجة كانت واضحة: مدمنو الأخبار – أي من يتابعون الأخبار أكثر من خمس مرات يوميًا – يشكلون 25% من سكان الولايات المتحدة، ويُظهرون نية شراء أعلى تصل إلى 66%، أي بفارق 16 نقطة مئوية عن المتوسط العام للسكان.
هؤلاء المتابعون ليسوا جمهورًا عاديًا، بل يتميزون بوعي أكبر، ومستوى تعليمي مرتفع، ودخل أعلى من المتوسط. وبحسب الدراسة، فإنهم لا يكتفون بالتفاعل مع الإعلانات بصورة أفضل، بل ينظرون أيضًا إلى العلامات التجارية بإيجابية أكبر، ويبدون استعدادًا أعلى للتوصية بها لأصدقائهم وأسرهم. ومع ذلك، فإن العديد من الشركات لا تزال تتردد في الإعلان عبر منصات الأخبار الرقمية، خشية على “سلامة العلامة التجارية”. هذا الانسحاب في الواقع يترك فراغًا تسويقيًا ويُفوّت فرصة ثمينة للوصول إلى أكثر من 80 مليون بالغ أمريكي يتابعون الأخبار بشكل مستمر.
من وجهة نظري، فإن الحاجة إلى الصحافة لا تُقاس فقط بقدرتها على توفير الخبر الموثوق، بل تتجاوز ذلك لتصبح حاجة أساسية لصاحب العلامة التجارية الباحث عن المنصة الإعلامية الأكثر تأثيرًا. فالارتباط بالصحافة لا يمنح العلامة التجارية مجرد وصول إلى جمهور متعطش للمعلومة فحسب، بل يربطها أيضًا بمحتوى عالي القيمة وذو موثوقية، ما يعزز من صورة العلامة في الوعي الجمعي.
بعبارة أخرى، لقد حان الوقت للتعامل مع الأخبار بنفس القيمة التي نمنحها للرياضة والترفيه في استراتيجيات التسويق. فالاستثمار في الأخبار يجمع بين هدفين متكاملين: دعم الصحافة المهنية من جهة، وتحقيق عائد ملموس وفعّال على الاستثمار من جهة أخرى. إن الجرأة في اختبار الحملات الإعلانية عبر منصات الأخبار ستكشف للمسوقين أن الخطر الحقيقي ليس في الإعلان بالأخبار، بل في تجاهل هذه المنصة التي تُعد من أكثر منصات الإعلام تأثيرًا وفاعلية في عصرنا.
waleedalahmmed@yahoo.co.uk