قد يظن الإنسان أن النقيض الطبيعي للاكتئاب هو الفرح أو السعادة، لكن هذا وهم سطحي سرعان ما يتكشف عند النظر بعمق إلى طبيعة التجربة البشرية. فالاكتئاب ليس مجرد غياب الضحك أو قلة المتعة، بل هو فقدان الإحساس بأن للحياة وزنًا وقيمة، وأن وجود المرء يحدث فرقًا. الإنسان يستطيع أن يعيش بلا لحظات فرح كثيرة، لكنه ينهار حين يفقد الشعور بأن حياته مهمة أو أن أثره ملموس في محيطه. الفرح عابر، أما الأهمية فجوهر يمنح الوجود معنىً يتجاوز اللحظة.
الأبحاث النفسية تؤكد هذا المعنى بشكل صارخ؛ إذ أظهرت مراجعة شملت عشرات الدراسات أن الأشخاص الذين يشعرون بأن لحياتهم هدفًا ومعنى تقل لديهم أعراض الاكتئاب والقلق بشكل ملحوظ مقارنة بغيرهم. وفي دراسة أوروبية واسعة على أكثر من أربعين ألف شخص فوق سن الخمسين، وُجد أن من يصفون حياتهم بأنها «مليئة بالمعنى»، كانوا أقل عرضة للإصابة بالاكتئاب بنسبة تصل إلى 80% مقارنة بالذين يفتقرون إلى هذا الشعور. وفي السعودية، أظهرت دراسة على طلاب جامعات أن أكثر من 70% منهم يعانون من قلق وجودي يرتبط مباشرة بالاكتئاب، رغم انتمائهم الديني والاجتماعي، وهو ما يعكس أن غياب الإحساس بالأهمية مشكلة تتجاوز الحدود الثقافية والجغرافية.
بل إن أثر الشعور بالمعنى يتجاوز الصحة النفسية إلى الصحة الجسدية والقدرات العقلية؛ ففي دراسة أمريكية حديثة، تبين أن الأشخاص الذين يعيشون وفق هدف أو رسالة تقل لديهم احتمالات الإصابة بالخرف وضعف الإدراك في الكبر بما يقارب الثلث، حتى عند وجود استعداد وراثي لذلك. وهذا يكشف أن الأهمية ليست شعورًا داخليًا فحسب، بل قوة تحافظ على الإنسان في مواجهة التدهور العقلي والجسدي.
من هنا، يظهر أن السعادة، مهما كانت براقة، ليست الدواء الحقيقي للاكتئاب؛ لأنها زائلة ومؤقتة، بينما الإحساس بالأهمية يرسخ جذور الإنسان في عالم يبدو أحيانًا بلا معنى. إنه الذي يحميه من الانهيار أمام فراغ الحياة، ويمنحه القدرة على مواجهة أزماته، ويعيد صياغة وجوده ضمن سياق أوسع من ذاته. فالإنسان، في النهاية، لا يحتاج أن يكون سعيدًا دائمًا، بقدر ما يحتاج أن يكون ذا أثر، أن يشعر أن وجوده ليس فائضًا عن الحاجة، بل ضرورة في نسيج الحياة.
أخيراً.. تذكر أن عكس الاكتئاب ليس الشعور بالسعادة، وإنما الشعور بالأهمية!
ahmadsinky@hotmail.com