لا تصير طيب!

شخصيات الناس مختلفة ومتباينة بشكل مذهل، ولكن بينهم قواسم مشتركة كالفرح والحزن، والغضب والرضا، والشدة واللين، والقوة والضعف، والقسوة والرفق، وهذه الحالات أيضا متفاوتة في مستوياتها من إنسان إلى آخر، ولذلك ننعت الشخص بصفة معينة إذا طغت عليه صفة دون أخرى، أي ما يسمى السمة العامة للشخصية. وحديثنا اليوم عن الإنسان «الطيب».
والطيب في الغالب هو متعاطف مع الآخرين، ويقدم المساعدة بدون مقابل، ويمارس التسامح بشكل تلقائي وعفوي، ويظهر عليه الفرح لسعادة من حوله، ولعل أهم صفة هي سلامة القلب، وحسن النية. صحيح أنه قد يتضرر من بعض القرارات المصيرية والعلاقات الشخصية في حياتيه، وصحيح كذلك أنه قد يكون مظلوما في أحيان عدة على حساب نفسه! ولكن شعاره أن أبيت مظلوما خير من أن أكون ظالما.
ومن الناحية الاجتماعية سنجد الكثير «ولا أبالغ إذا قلت الكل» ينصحه بعبارة: لا تصير طيب! وهذه الجملة سيظل يسمعها طوال حياته، وحتى يفارق الدنيا! والواقع أن الشخص الطيب لا يستطيع أن ينفك عن هذه الصفة الحميدة بسهولة لأنها جِبلة. والشاعر زهير بن أبى سلمى قد قال: ومهما تكن عند امرئ من خليقة … وإن خلها تخفى على الناس تعلم. فالنشأة والبيئة، وكذلك الجنيات لها دور في تركيبة هذه الشخصية.
ولأن الحياة ليست عادلة دوما، فقد يتعرض مثل هذه الشخصيات للظلم أكثر من غيره، ولا يفني هذا حق الانتصار لرفع الظلم، ولكن من المعلوم والمشاهد أنه يقدم مبدأ: «فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ – إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ».
وأجمل وأفضل ما يتحلى به الشخص الطيب هو سلامة الصدر، والبعد عن الحسد والحقد والضغائن. وروي عن ابن تيمية أنه قال: ما خلا جسد من حسد، لكن اللَّئيم يبديه والكريم يخفيه. وقد جاء في الحديث النبوي الطويل (وأذكره هنا مختصرا، وإن كان في سنده نظر): كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة». فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه، وقد تعلق نعليه بيده الشمال. فبات عنده الصحابي عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- ثلاثة أيام، فلم يره يقوم من الليل شيئا، غير أنه إذا تعار تقلب على فراشه، ذكر الله عز وجل، وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر. قال عبد الله بن عمرو: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا. فلما مضت الثلاث الليالي، وكدت أن أحتقر عمله! قلت: يا عبد الله، لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة، ولكني سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول لنا ثلاث مرات: «يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة». فطلعت أنت الثلاث المرات، فأردت أن آوي إليك، فأنظر ما عملك فأقتدي بك، فلم أرك عملت كثير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما هو إلا ما رأيت. قال: فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا، ولا أحسد أحدا على خير أعطاه الله إياه. فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك، وهي التي لا نطيق.
والخلاصة، إن طيبة قلب وسلامة الصدر نعمة عظيمة، وفيها راحة للجسد والبال، ولكنها لا تتأتى لكل أحد!

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *