من منا لم يشهد في حياتهِ شخصيات مُفرطة في الدقة والاهتمام من أجل محاولة الوصول إلى المثالية، كثيرة الهوس بالنظافة أو العمل الجاد، فعلى الرغم من دخول الثقافة الشعبية كتعبيرٍ مختزل عن الهوس بالنظافة أو الحاجة إلى السيطرة، إلا أنّ الواقع أكثر تعقيداً وإنهاكاً.
الإنسان الذي تجده دوما منشغلا بأصغر التفاصيل وادقها غالباً ينظر اليه الى انه انسان مختلف او مميز وهذا الأمر قد يكون صحيحاً في حالات كثير، فهناك نماذج كثرة في الحياة تعتبر رمزا للنجاح وحين ندقق في تفاصيل مرتبطة بحياتها اليومية أو بسلوكياتها نجد أنها تسعى دوما لتحقيق المثالية في جوانب قد يراها الكثيرون أقل أهمية ولكن بالنسة لها هي أولوية.. فهذا الواقع في سماتها يجعلنا نطرح تساؤلات عديدة عن حقيقة هذه الرغبة في الوصول للكمال في كل تفاصيل حياتنا.
إن محاولة الوصول إلى الكمال هي إحدى سمات الشخصية الدقيقة جداً، فهي تلكَ الشخصية التي تسعى للمثالية دائماً مهما كلّف الأمر، فقد تلتزم هذه الشخصية بالمعايير الصعبة المرهقة أو لربما المستحيلة من أجلِ إتقان عملها، الأمر الذي قد يعوق سيرَ أهدافها، وتوقف عملها في أحيانٍ كثيرة، فيزداد شعورها بالقلق والتوتر، وتتقلص محاولاتها خوفاً من الفشل، فتظهر المشاكل في حياتها لتشعر في نهاية المطاف بالسخط وعدم الرضا.
ويأتي التساؤل هنا هل تتحول هذهِ الدقة الصعبة جداً إلى وسواس مستقبلاً؟
تظهر أعراض الوسواس كاهتمام مبالغ فيه بأشد التفاصيل، وتظهر أعراضه أيضاً من خلال اتباع المنهجية الصارمة سواء في العمل أو في المنزل أو عند القيام بمهمةٍ حياتية ما، وقد يظهر الوسواس أيضاً على هيئة الاحتفاظ بالأشياء البالية عديمة القيمة، وغير المفيدة، كُل هذهِ الأمور تزيد من قابلية تعرض الشخص المتناهي في الدقة في أسلوب حياته وعمله إلى إصابته بالوسواس الذي قد يفسد هناء حياته ولذتها.
قد يبدو الأمر في البداية عادي جداً ولربما بدا طريفاً بعضَ الشيء، ولكنهُ لا يبدو كذلك بالنسبة للأشخاص المصابين فعلاً باضطراب الوسواس، إذ أن كُل هذهِ الاضطرابات تبعثُ الألم والقلق والتوتر.
إن الحياة الهادئة هي الحياة القائمة على التوسط والاعتدال في كل الأمور، من أجلِ التوفيق بين كُل المتطلبات الحياتية، فمنهج الاعتدال منهج يجنبك الإفراط والتفريط، ويعيد التوازن في شخصيتك وحياتيك، ويخلق الهدوء والراحة في عقلك وقلبك.
ومضة:
اعتدل في كل شيء.. إلا في حُسن ظنِّك بالله، فبالغ فيه قدر ما تستطيع.. وما جزاء حسن الظن إلا نيل ما تتمنى.
arwaalmouzahem@gmail.com