التصفيق الداخلي

لا أقصد بالتصفيق، التصفيق بمعناه المحلي، بل بمعناه اللغوي؛ فالمعنى المحلي «يكفي ويزيد» ولا نحتاج للخوض في سلبياته التي تلتهمنا حين نقع فيه؛ فجلد الذات أخطر أنواع العقوبات، لأنك القاضي والجلاد معاً، تقسو على نفسك، تضخم الأخطاء، وتعيشها مراراً في ذهنك حتى تُستنزف عاطفياً ونفسياً؛ فلم تكتف بالسقوط، بل صفقت نفسك لزيادة الألم.
لكن حديثي ليس عن هذا، بل عن الضد؛ التصفيق بمعناه اللغوي، التشجيع، أن ترفرف فرحاً بإنجازك، أن تمنح نفسك تهنئة صادقة، أن تصفق لها بيديك بكل فخر واعتزاز؛ فمتى أخر مرة صفقت لنفسك؟ وأعيد بوشوشة: ركِّز لا أقصد متى صفقت نفسك.
نحن بارعون في جلد الذات، وفي مقارنة ما لم ننجزه بما أنجزه الآخرون، لكننا بخلاء حين يتعلق الأمر بالثناء على خطواتنا الصغيرة؛ وكأن الاعتراف ببطولة نفسك عيب أو غرور! وفي حقيقة الأمر هي شجاعة؛ لأنك تعترف بجهدك كما هو، دون انتظار لجنة تحكيم أو جمهور خارجي يمنحك وساماً أو إذن للتهنئة.
التصفيق الداخلي ليس رفاهية، بل هو طاقة تمدّك بالاستمرار؛ هي تلك اللحظة التي تقول فيها: نعم، فعلت ذلك، ولو كان انجازك بسيطاً؛ لحظة ترفع فيها رأسك قليلاً بدل أن تطأطئه؛ طاقة ترى فيها مالم تكن تتوقع بأنك قادرٌ عليه؛ عملٌ يتعاطف فيه من هم حولك بكلماتٍ توحي بأنك في تحدٍ أكبر منك وبأن استسلامك وارد؛ أو تهنئتك لنفسك عندما تنتهي هي بالتوديع، لأنك لا ترَ في ذاتك محارب ولا مغامر، ولا محب لنشوة النصر التي تأتي بتحدي الذات، ورفع مستواها!
ليس لنا شأن بالناس حولك؛ فلنتحدث عنك أنت، أنت فقط! هل تعطي ذاتك تقديرها، وتأخذ من وقتك لتهنئتها! هذا التصفيق لا يسمعه غيرك، ينعكس على كل شيء حولك: في نبرة صوتك، في هدوءك، وفي ثقتك؛ لن يمنعك من الوقوع في الأخطاء، لكنه سيذكرك أنك قادر على النهوض، وأنك لم تصل إلى هنا صدفة؛ فجرّب اليوم أن تصفق لنفسك لا أن تصفقها! بلا جمهور، بلا مناسبة كبرى، فقط لأنك تستحق؛ إن كنت ترَ نفسك مستحق، فهل تستحق؟
al.shehri.k@hotmail.com

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *