السمعة المؤسسية.. الأصل الخفي الذي قد يحسم بقاء العلامات الوطنية

لم تعد قيمة المؤسسات في عصرنا الحديث تقاس بما تملكه من أصول مادية فقط، بل بما تحمله من سمعة مؤسسية. السمعة اليوم هي أصل خفي لكنه حاسم، حيث تشير الدراسات إلى أنها تمثل ما يقارب 30% من القيمة السوقية للشركات الكبرى عالميًا. وهذا يعني أن مجرد اهتزاز الثقة بالعلامة قد يؤدي إلى خسارة لا تقل أثرًا عن انهيار مالي مباشر.
في الآونة الأخيرة شهدنا كيف يمكن أن تتعرض علامة وطنية شابة لهجوم واسع بعد اكتشاف مخالفات وأخطاء في عملها. صحيح أن الخطأ لا يمكن تجاهله، وأن المخالفات تستوجب المحاسبة والتصحيح، لكن ما حدث فعليًا تجاوز حدود النقد العادل إلى موجة من الهجوم الرقمي والتشهير والتنمر، انتهت بتقويض سمعة المشروع بالكامل. والسؤال هنا: هل يصل العقاب إلى حد إعدام الكيان الاقتصادي برمته، رغم إمكانية إصلاحه وتقويمه؟
الخطورة أن السوق السعودي، الذي يشهد نموًا متسارعًا ويُعتبر من أكثر الأسواق جاذبية في المنطقة، قد يتحول في لحظة إلى بيئة يسهل فيها تصيد الأخطاء وتضخيمها، سواء من منافسين في حروب خفية أو من جمهور يقوده الاندفاع اللحظي في وسائل التواصل.
بيانات وزارة الاستثمار، تؤكد أن المملكة منحت أكثر من 5500 ترخيص استثماري جديد في نصف 2025 الأول فقط، وهو مؤشر على ثقة عالية بالاقتصاد. لكن هذه الثقة قد تتعرض للاهتزاز إذا غابت آليات عادلة لحماية السمعة المؤسسية للمشاريع الوطنية.
من الطبيعي أن يخطئ أي مشروع أو يتعثر، وهذا جزء من دورة الأعمال في كل اقتصاد. غير الطبيعي أن يتحول الخطأ إلى حكم نهائي بالإعدام التجاري.الأنظمة لا تتسامح مع المخالفات، لكنها أيضًا لا تسمح بتحويلها إلى أداة لتصفية الحسابات أو إسقاط المنافسين. المطلوب محاسبة عادلة، شفافية في الإعلان عن الأخطاء والإجراءات التصحيحية، وحماية للمؤسسات من الحملات غير المنصفة.
إن رؤية المملكة 2030 جعلت من جذب الاستثمارات وحماية المشاريع الوطنية أحد محاورها الأساسية. والبيئة الاستثمارية الصحية لا تقوم فقط على اللوائح المالية والتنظيمية، بل أيضًا على ترسيخ العدالة في التعامل مع الأخطاء، بحيث يُعطى كل خطأ حجمه الطبيعي، ويُفتح المجال أمام المؤسسات الوطنية لتتعلم وتُصحح وتستمر. فالمستثمر الأجنبي، كما المواطن، يريد أن يرى أن السوق تحكمه قواعد عادلة، لا موجات عاطفية أو حروب خفية بين المنافسين.
في نهاية المطاف، السمعة المؤسسية ليست ترفًا ولا تفصيلاً ثانويًا، بل أصل اقتصادي لا يقل أهمية عن رأس المال أو الموارد.
وحماية هذا الأصل لا تعني الدفاع عن المخطئ، بل حماية بيئة الاستثمار من الهشاشة، وحماية مستقبل الاقتصاد الوطني من خسائر لا مبرر لها.
dr0lamia@gmail.com

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *