الذين يسألون إن كانت القصيدة تملك لوناً، لم يقرأوها كما يجب. لم يَسمعوا أنين الحبر، ولا انتبهوا لارتجاف الورقة تحت وطأة الكلمات.
هؤلاء يمرّون فوقها دون أن يغرقوا فيها. دون أن يشعروا بلذة النجوم في سمائها والحياة في فضائها.
نعم، للقصيدة ألوان..لكنها ليست الألوان التي تراها أعيننا، بل تلك التي تلمس أرواحنا قبل أن تُدركها الحواس.
القصيدة.. ليست وردية ككذبة حُبّ، ولا رمادية كلحظة ندم. القصيدة لونٌ لا يُطابق شيئا، ولا يُشبه أحدا، لأنها حين تُكتب، تُولد من عُمق لا مرئيّ، من جرح لا يُرى، ومن غيم لا يمطر.
القصيدة ليست معنىً يُفهَم، بل إحساسٌ يُعاش.
للوجع لون. للفقد لون، وللحنين لون.. كلهم ألوان القصيدة.
لونُ القصيدة حين تُكتَب بحبر قلبٍ مكسور، ليس أسود كما نظن بل أقرب للقرمزي، لأنه يحمل نزفاً ناعماً من المشاعر الممنوعة.
حين تُكتب من فم العاشق، تكون بلون الشوق، وهو لون لا تحدّه عين ولا تحصره لوحة.
وحين تُكتب القصيدة في المنفى، يكون لونها بلون المطر المتأخر: رماديٌّ يأبى أن يُعلن انتماءه للسماء أو الأرض.
القصيدة لا تُلوَّن بالفرشاة، بل بالذاكرة.
هل تذكر أول مرة شعرت أن الكلام لا يكفي؟
أول مرة خذلتك اللغة؟
تلك اللحظة، ولدت أولى قصائدك.. دون أن تدري.
القصيدة لا تُكتب لتُقرأ، بل لتُشفِى. هي فعل مقاومة. فعل نجاة.
وأجمل القصائد لا تُنشَر، بل تُدفَن في القلب، لأنها ببساطة.. لا تتحمل النور.
القصيدة الصادقة تخجل من الأضواء، وتختبئ وراء الغموض كما تختبئ العاشقات وراء الاعترافات المؤجلة.
لا تسألوا الشاعر عن لون قصيدته.
اسألوه: كم مرة بكى وهو يكتبها؟
نهاية:
القصيدة ليست لوناً، بل حياة بأكملها… تُقال في سطر!!
alfaleh222@yahoo.com