المهنية في العمل.. هوية تسبق المسمى الوظيفي

الموظف المهني لا ينشغل بعدد دقائق البصمة أو توقيت الحضور والانصراف بقدر ما يهمه أن يُنجز عمله بإتقان ويترك أثرًا إيجابيًا. تخيّله يدخل مكتبه صباحًا، لا لأنه مضطر، بل لأنه يرى في كل دقيقة يقضيها هناك فرصة لإثبات قيمته. يفتح بريده الإلكتروني، يرد على الرسائل باحترام حتى وإن كانت خارج أوقات الدوام، يحرص على اختيار كلماته بعناية، ويتذكر أن كل ردٍّ يصدر عنه هو في الحقيقة بطاقة تعريف عن جهة عمله.
المهنية تبدأ حين تلتزم بأنظمة وقوانين منشأتك، لكنها لا تتوقف عند هذا الحد؛ إنها تمتد إلى طريقة تمثيلك للمكان في الخارج، إلى أسلوبك في التعامل مع الآخرين، وإلى رقيّك في الرد وعدم التجاهل. وتشمل أيضًا التعاون والتواصل باحترام مع أعضاء الفريق، لأن العمل داخل أي منشأة ليس ساحة فردية، بل منظومة متكاملة، وأي إنجاز حقيقي يولد من الجهد الجماعي، لا من نسب النجاح لشخص واحد. فدون العمل التكاملي، تنهار المؤسسات أو تحقق إنجازات باهتة لا ترقى للطموح.
المهنية ليست شعارات، بل سلوك متواصل. هي أن تكون حاضرًا بإنجازك، وبأخلاقك، وبصورتك التي تبقى في أذهان الآخرين بعد رحيلك. وهي أيضًا سببٌ مباشر في كسب ثقة الإدارة، وفتح أبواب فرص جديدة قد لا تأتي لغيرك.
ولأن الانطباع الأول يترك أثرًا طويل الأمد، فإن المهنية تتطلب الانتباه حتى لأبسط التفاصيل.. طريقة المصافحة، نبرة الصوت، وحتى النظرات. فالنظرة التي تحمل استهزاءً أو تقليلًا من شأن الآخرين قد تبدو سطحية في لحظتها، لكنها تترك جرحًا لا يُمحى، وربما تهدم جسرًا قبل أن يُبنى.
وعندما يُذكر اسمك في اجتماع، لن يتحدثوا فقط عن الأرقام التي حققتها، بل عن التزامك، أمانتك، إنصافك للآخرين، واحترامك لشركاء النجاح. عطاؤك في بيئة العمل هو انعكاس مباشر لنضجك، وامتداد طبيعي لأخلاقياتك المهنية، وهو ما يرسّخ حضورك ويثبت قيمتك جنبًا إلى جنب مع إنجازاتك.
الأخلاق المهنية هي البوصلة التي توجه خطواتك: الأمانة، احترام السرية، العدل، الشفافية، والوفاء بالوعود. ترسيخها يبدأ من مراقبة نفسك قبل أن تراقب الآخرين، ومن التعلم من أصحاب الخبرة الذين يجسدون هذه القيم، ومن تقديم مصلحة العمل على المصلحة الشخصية، مع الحرص على تطوير الذات باستمرار.
في النهاية، المهنية ليست وصفًا يُضاف لسيرتك الذاتية، بل هي سيرتك الذاتية وهي تمشي على الأرض.
h.talal.g@gmail.com