في صباح هادئ تتسلل أشعة الشمس الذهبية بين أسقف خشبية متعبة وتنعكس على جدران طينية شهدت ضحكات أجيال مضت.
رائحة القهوة تفوح من بيت كان قبل قرنين من الزمن مسكنا لعائلة أحسائية، واليوم صار مقهى يضج بالحياة مقهى يروي الحكايات بلا كلمات. الأزقة الضيقة التي كانت صامتة صارت تموج بخطوات الزوار وعدسات الكاميرات تلتقط تفاصيل الأبواب الخشبية المزخرفة والنوافذ الصغيرة التي تهمس بأسرار الماضي في كل زاوية تجد أثراً لجدار. تمسكت به يد الترميم كي يبقى كما هو وأثراً آخر لإضافة جمالية تحيي المكان دون أن تغير روحه.
الأحساء.. ذاكرة تنبض بالحياة. هنا في الأحساء، اختارت الأمانة أن تعيد الروح للبيوت القديمة بدلا من أن تتركها نهباً للنسيان أو قرار الهدم فحافظت على ملامحها ونسجت منها قصة نجاح عمرانية وسياحية تجمع بين أصالة المكان وحداثة الفكرة بأيدي شباب مبدعين من الأحساء.
هذه التجربة لم تحافظ على الحجر فقط بل على ذاكرة المكان وهوية أهله فالمقاهي والمطاعم التي احتضنتها هذه البيوت تحولت إلى منصات ثقافية وسياحية تجذب الناس لتجلس على مقاعد خشبية تشرب القهوة وتتأمل سقفاً صنعته يد أجدادهم قبل مئات السنين..
أزقة تتحول إلى مسارح للذاكرة. تجولت يد الترميم بين جدران الطين وأسقف الخشب لتعيد إليها الدفء والروح، فاحتفظت البيوت بملامحها التراثية وزينت بلمسات جمالية جعلتها محط أنظار الزوار والمصورين ورواد المقاهي وبهذا تحولت الأزقة الضيقة إلى ممرات مليئة بالحركة والنشاط وجذبت عشاق التراث والسياح الذين يبحثون عن تجربة مختلفة.
ترميم يصنع اقتصادا جديدا، هذه المبادرة لم تكتف بحماية الهوية العمرانية للمنطقة بل أسهمت في انعاش الاقتصاد المحلي وإحياء روح المكان، فالمقاهي والمطاعم التي ولدت من رحم البيوت القديمة أصبحت رمزا لصمود التاريخ في وجه الإزالة الكاملة التي طالما كانت الحل السريع للتعامل مع الأحياء القديمة..
ختاماً.. الماضي بوصلة المستقبل.. الأحساء أثبتت أن المدن التي تحترم ماضيها تستطيع أن تصنع مستقبلا أجمل وأن الأبواب العتيقة التي تفتح من جديد يمكن أن تفتح معها فرصاً اقتصادية وثقافية وتعيد للحياة نكهتها الأصيلة.
وان الماضي ليس عبئاً على الحاضر بل هو زاده وسنده ومن يملك تراثا أصيلاً يملك فرصة ذهبية لصناعة مستقبل أكثر دفئا وعمقا وجمالا.
moad_aziz@hotmail.com