منذ أزمنة بعيدة اعتبر الملح من المواد الثمينة لدى الإنسان حتى أصبح رافدًا اقتصاديًا في ذلك الوقت، وبرع الصينيون والمصريون القدامى في استخراج الملح واستخدامه في الطهي والطب والتحنيط والتقديد، وذلك بسبب عنصري الملح الأساسيين وهما الصوديوم والكلور (NaCl) الغنيان بالفوائد للأعصاب والمساعدة على الهضم والتمثيل الغذائي، ودعم وظيفة الغدة الكظرية.
إلا أن الإفراط في استخدامه يؤثر سلبًا على صحة الإنسان، وذلك ما توصلت إليه دراسة حديثة كندية أجراها باحثون بجامعة (ماكجيل) أكدت أن اتباع نظام غذائي غني بالملح يُسبب التهابًا في الدماغ، ما يؤدي بدوره إلى ارتفاع ضغط الدم.
ارتفاع ضغط الدم
وأشارت الدراسة إلى أن الدماغ قد يكون حلقة مفقودة في بعض أشكال ارتفاع ضغط الدم، أو ما يعرف بارتفاع ضغط الدم، الذي يعزى عادة إلى الكلى، ما يعد دليلًا جديدًا على أن ارتفاع ضغط الدم يمكن أن ينشأ في الدماغ، ما يفتح الباب أمام تطوير علاجات تعمل على الدماغ.
وأوضحت أن ارتفاع ضغط الدم يصيب ثلثي الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 60 عامًا، ويسهم في وفاة 10 ملايين شخص حول العالم سنويًا، وغالبًا لا تظهر أعراض المرض، ما يزيد خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية ومشاكل صحية خطيرة أخرى.
النظام الغذائي الغني بالملح
وذكرت أن نحو ثلث المرضى لا يستجيبون للأدوية التقليدية التي تستهدف في المقام الأول الأوعية الدموية والكلى، استنادًا إلى الاعتقاد السائد بأن ارتفاع ضغط الدم يبدأ من هناك، بينما تشير الدراسة الجديدة إلى أن الدماغ قد يكون أيضًا عاملًا رئيسيًا في هذه الحالة، خاصة في الحالات المقاومة للعلاج.
وذكر الباحثون المشاركون في الدراسة أنه لمحاكاة أنماط الأكل البشرية، أُعْطِي الفئران ماء يحتوي على 2% من الملح، وهو ما يضاهي النظام الغذائي اليومي الغني بالوجبات السريعة وأشياء مثل اللحم المقدد والمكرونة سريعة التحضير والجبن المصنع، ليلاحظوا أن النظام الغذائي الغني بالملح نشط خلايا مناعية في منطقة دماغية محددة، مسببًا التهابًا وارتفاعًا في هرمون الفازوبريسين الذي يرفع ضغط الدم.
التقنيات الجديدة
وأشار إلى قيامهم بتتبع هذه التغيرات باستخدام أحدث تقنيات تصوير الدماغ والتقنيات المخبرية التي لم تتوفر إلا مؤخرًا، حيث قال براجر خوتورسكي، أحد الباحثين المشاركين في الدراسة “إنه تم إغفال دور الدماغ في ارتفاع ضغط الدم إلى حد كبير، ويعود ذلك جزئيًا إلى صعوبة دراسته، لكن مع التقنيات الجديدة أصبحت هناك قدرة على رصد هذه التغييرات عمليًا”.
ولفت الباحثون الانتباه إلى أن استخدام الباحثين الفئران، لأن الفئران تنظم الملح والماء بشكل أشبه بالبشر، وهذا يزيد احتمالية تطبيق النتائج على البشر، مبينًا أن فريق العمل يخطط بعد ذلك لدراسة ما إذا كانت عمليات مماثلة تشارك في أشكال أخرى من ارتفاع ضغط الدم.