هي لقطة يعرفها الجمهور قبل أن تحدث: كرة ثابتة أو عرضية ضد فريق سعودي، ازدحام داخل الصندوق، لحظة ارتباك، ثم رأسية أو لمسة تقلع باتجاه الزاوية، ليس الأمر استثناءً، بل نمط يتكرر مع المنتخب السعودي، ومع أندية مثل الهلال، النصر، الأهلي، والاتحاد، حتى في ظل تواجد محترفين كبار يُفترض أن خبرتهم تمنع هذا النوع من الأهداف.
ومع اقتراب انطلاق الموسم الجديد، يصبح الحديث عن هذه التفاصيل الدفاعية أكثر إلحاحًا، فهي ليست مجرد أرقام في إحصائيات الموسم الماضي، بل مواقف تتكرر وقد تحسم مباريات وبطولات. معالجة هذا الملف قبل بداية المنافسات قد يكون الفارق بين فريق يبدأ بقوة وآخر يواجه التعثر من الجولة الأولى.
في المنتخب، تجلّت المشكلة بوضوح خلال مباراة في بطولة قارية حديثة، حين سجّل المدافع الأمريكي كريس ريتشاردز هدف الفوز برأسية من ركلة حرة داخل منطقة الجزاء بعد تمركز دفاعي ناقص. اللقطة لم تكن مجرد هدف، بل مثالًا واضحًا على غياب التنسيق الدفاعي اللحظي، خصوصًا أن فترات المعسكرات القصيرة لا تكفي لترسيخ أنماط دفاعية جماعية.
أما على مستوى الأندية، فقد شهدت السنوات الأخيرة أهدافًا مؤثرة من الركنيات والعرضيات في مواجهات آسيوية ومحلية. الهلال، رغم قوته وسيطرته المتكررة، تعرض لأهداف من عرضيات لم يُغلق فيها المسار الدفاعي على المهاجم. النصر، بامتلاكه عناصر هجومية بارزة، عانى أحيانًا من ضعف الضغط على مرسل العرضية، ما أتاح تمريرات دقيقة للمهاجمين داخل الصندوق. الأهلي، حتى في مواسم تألقه، واجه تهديدات حقيقية من عرضيات قريبة استغلها الخصوم عند ضعف التنظيم الدفاعي. الاتحاد أيضًا لم يسلم؛ إذ تلقى أهدافًا من كرات ثابتة رغم امتلاكه لاعبين طوال وقادرين بدنيًا على التعامل مع الموقف، لكن غياب النظام الدفاعي الواضح جعله عرضة للاستغلال.
وشهدت مباراة دور نصف نهائي كأس السوبر ثلاثة أهداف للأهلي بمرمى القادسية من عرضيات كما أن ركلة الجزاء كانت من ركنية.
إحصائية سريعة تعكس الواقع
في موسم دوري روشن 2024–2025، وصل متوسط الركنيات في كل مباراة إلى حوالي 9.7 ركنية، وهو رقم كبير يعكس تكرار هذه المواقف في كل جولة، ما يزيد احتمالية الخطأ الدفاعي إن لم يكن هناك تنظيم صارم.
أما على مستوى المنتخب السعودي، فقد استقبل خلال عامَي 2024 و2025 ما لا يقل عن 6 أهداف مباشرة من كرات ثابتة أو عرضيات، معظمها في مباريات قارية، ما يعكس استمرار المشكلة حتى على أعلى مستوى تمثيلي للكرة السعودية.
ما وراء الأرقام: أين تبدأ الأخطاء؟
الكرة الثابتة تبدو كأنها بنك صغير من الفرص؛ فرق تدرب على الخروج بها مبتسمة، وأخرى تنهار لمرة أو مرتين وتدفع ثمن الفراغات بعشرات الدقائق.
المشكلة ليست فقط في ارتفاع الكرة أو قوة القذف، بل في تراكم أخطاء تبدو بسيطة على ورق التدريب وتتحول إلى كوارث أمام المرمى: من «مَن يُراقب المهاجم» إلى «مَن يلتقط الكرة الثانية»، مرورًا بـ«من يصرخ للمرمى» الأخطاء تتكرر لأن معظم الفرق تعامل الكرات الثابتة كحصة ثانوية، أو تعوّل على اندفاعات فردية بدل نظام واضح.
أول سبب واضح: غياب تحديد أدوار واضح وثابت حين لا يُكتب لكل لاعب دوره بدقة — من يواجه رأس اللاعب القوي، من يغلق المسافة إلى القائم، من يخرج لاقتحام صاحب القفزة — يتحول ترتيب الجسم داخل الـ18 إلى فوضى منظمة، ويفشل اللاعبون في الاعتماد على التحرك الجماعي. ثانيًا، «مشكلة العين» أو ما يُسمى ball-watching: لاعب يترك خصمه لمجرد أن الكرة في الهواء، فيظن أن زميله «يراقبه»، بينما الخصم يختفي خلفه ويقابل الكرة برأسه. ثالثًا، ضعف التعامل مع الـsecond ball — الكرات المرتدة أو المرتفعة قصيرة المدى — حيث ينسى الفريق أن يخصص لاعبين ذوي مهارة إطباق واستعادة للكرة الخلفية، فتتحول الارتدادات إلى دقائق حاسمة.
رابع عامل يغذي الأخطاء: الخلط بين التغطية الشخصية (مان-تو-مان) والمنطق الزمني للمساحة (زون). كثير من الفرق تعتمد على مان داخل صندوق الجزاء ثم تتوقع من الظهير أو خط الوسط أن «يغلق المنطقة» عند التحول؛ النتيجة أن المساحات بين اللاعبين تصبح شرايين مفتوحة، والمهاجمون الأذكياء يستثمرونها بالتحركات البطيئة والمفاجئة. خامسًا، قضايا التواصل والقيادة: غياب قائد واضح ينظم الحائط، يصرخ، يغير التمركز، ويطلب الكرة — خصوصًا للحارس — يجعل التنفيذ هشًا، خصوصًا في الدقائق الأخيرة حين الضغط والتعب يتصاعدان.
من التشخيص إلى الحل
الحلول واضحة لكنها تحتاج التزامًا: تعيين مدرب مختص للكرات الثابتة، وضع أدوار مكتوبة ومكررة في التدريب لكل لاعب، الجمع بين الرقابة الفردية والتغطية المساحية داخل الصندوق، تخصيص لاعبين للكرات الثانية، وتحليل أنماط الخصوم لتحديد تحركاتهم المفضلة. الأهم هو وجود قائد دفاعي أو حارس يفرض الانضباط ويعيد ترتيب الصفوف قبل التنفيذ، مع تدريب الفريق على محاكاة الضغط والاحتكاك الجسدي في الظروف الحقيقية للمباراة.
ومع خوض المنتخب السعودي في المرحلة المقبلة تصفيات قوية أمام منتخبات إندونيسيا والعراق، يصبح تطوير المنظومة الدفاعية ضد الركنيات والعرضيات أولوية استراتيجية، ليس فقط لتجنب الأخطاء القاتلة، بل لإكمال مشوار التصفيات بثقة وثبات، وبطموح الوصول إلى أبعد مدى في المنافسات القارية والعالمية.