التاريخ ليس مجرد أحداث نقرؤها في الكتب، بل هو حراك بشري مستمر، وصراع بين الاستقرار والتغيير، وصناعة للقرارات التي شكّلت مصير الأمم. أما التراث، فليس بقايا صامتة، بل هو الذاكرة الحيّة التي تحفظ ملامح الماضي، وتغذّي الحاضر بالمعنى والانتماء.
من خلال التاريخ، نفهم كيف مرّت أرضنا بتحولات كبيرة، وتجاوزت تحديات، وحققت إنجازات شكّلت حاضرنا. ومن خلال التراث، نقترب من تفاصيل الحياة القديمة، ونستشعر ما عاشه الأجداد، ونحفظه لنورثه للأجيال القادمة.
على أرض المملكة العربية السعودية، تتوزع شواهد التاريخ والتراث من شمالها إلى شرقها ومن غربها إلى جنوبها، وكل موقع يحمل قصة، وكل أثر يهمس بتاريخ وحكاية حضارة.
فمثلًا: في أقصى شمال المملكة، تسكن تيماء ودومة الجندل، وتوثّق النقوش التي وجدث هناك، تاريخ تفاعل الإنسان مع الأرض على مدى آلاف السنين.
وفي شرقها، تقف ثاج شاهدًا على واحدة من أقدم وأغنى الحضارات في المنطقة الشرقية. فقد كشفت التنقيبات عن مدينة مسوّرة وكنوز أثرية تدل على عمق ثقافي وتجاري كبير، ارتبط بالممالك العربية القديمة، وكانت محطة مهمة في تاريخ طرق التجارة بين الخليج وشبة الجزيرة العربية وبلاد الرافدين.
في غربها مدائن صالح، بمنحوتاتها الصامتة، تنطق بحضارة الأنباط. كانت أول موقع سعودي يُسجّل في قائمة التراث العالمي، لما تحمله من دقة في النحت، وعبقرية في تخطيط المقابر، وجمالٍ يربط الإنسان بالطبيعة. ولا تزال واجهاتها الصخرية تروي تاريخ حضارة ازدهرت ثم اختفت، وخلّفت خلفها إرثًا بصريًا وإنسانيًا بالغ التأثير، يفتح أبواب التأمل في قدرات الإنسان القديم وروعة المكان.
وفي الجنوب، يتجلّى تاريخ حضارات عريقة تركت بصمتها في أرض شبة الجزيرة العربية. ففي جازان وعسير ونجران، تنتشر القرى الأثرية والكتابات المسندية والنقوش القديمة، شاهدة على دورهم البارز في تشكيل هوية المنطقة. ففي جازان، التي عُرفت قديمًا باسم مخلاف حَكَم ثم مخلاف عثر ثم المخلاف السليماني، تروي المواقع الأثرية في صبيا فصولًا من حضارات مضت، خلّفت نقوشًا وكتابات تعكس عمقها التاريخي، بينما تزخر جزر فرسان بتراث بحري وآثار فريدة. وتبرز قرى عسير الجبلية كنموذج مميز للتراث العمراني. أما في نجران، فيقف موقع الأخدود شاهدًا حيًّا على حضارة ضاربة في القدم، خلّد الله سبحانه ذكرها في كتابه العزيز، فصارت آيةً تُتلى وموعظةً خالدة.
خاتمة:
ما تحمله أرضنا من تاريخ متجذر وتراث متنوع، لا يعكس فقط غنى الماضي، بل يرسم ملامح الهوية السعودية التي تمتد جذورها عبر الزمن، وتزدهر اليوم برؤية وطنية طموحة تعيد للتاريخ والتراث مكانتهما في الوجدان والوعي.
فالتاريخ مرآتنا لفهم من نحن، والتراث جسرٌ يصل حاضرنا بماضينا، وبينهما تُبنى هوية الأجيال.
tumaihi83@gmail.com