في السابق كان التعامل مع البنوك بالذات في أسواقنا النامية، أمر في غاية الصعوبة، حين تريد خدمة بنكية، أو فتح حساب، تحويل مالي، أو حتى رسالة أو التأكد من أمر، كان عليك أن تقف في طابور قد يصل طوله إلى خارج المبنى، وحين تطورت العملية، وصارت بالأرقام صار لزام عليك أن تمضي فترة الساعات لتحظى بفرصة التواصل مع أحد العاملين، ليحل لك مشكلة ليس لك دخل فيها ربما، أو يجيبك عن سؤال لا يستلزم الثواني المعدودة.
بل وصلت بيروقراطية التعامل مع البنوك مرحلة مملة، كأن يتم إعادة الموافقة على بعض الخدمات في حال كان أحد التواقيع التي وقعتها على عشرات الأوراق لا يشبه توقيعك الرئيسي -بحسب العامل- فتعيد العملية التي تكلفك وقتك وأعصابك.
هناك تعاملات لدى البنوك تفتقر للمهنية بكل معانيها، فهي تصعب الأمور وتجبر البعض على حل مشاكلهم المالية بابتكار منافع تبعدهم عن التعامل مع البنوك، مثلاً المشاكل التي قد يتسبب فيها نظامهم الأمني، أو سياستهم التقليدية القديمة، أو حتى موظفهم غير المؤهل للتعامل مع عملاء البنك، ولأننا في سوق محدود، قد يترقى هذا الموظف «غير المؤهل» لمدير فرع أحياناً، وتندهش كيف لبنك رئيسي في البلاد يمكنه أن يعطي مثل هؤلاء الأشخاص سلطة وهم يفتقرون لأبسط مزايا الإدارة واخلاقيات العمل، لنشهد أعطاب ليس لها مثيل في قطاع يعتبر من أكبر القطاعات الاقتصادية بالبلاد؟.
ولكن، من كان ليصدق أن هذه المشاكل المكلفة التي عانت منها أجيال، في التعامل مع البنوك والعاملين فيها، هي في طريقها للانحسار والانتهاء، من كان يدرك مع وجود البنوك الرقمية أو ما يسمى اليوم بـ»فنتك» – fintech- شركات تكنولوجيا المالية، أنك يمكنك أن تدير أموالك وتحل مشاكلك المالية وتعمل على خطط مالية من خلال التطبيقات على هاتفك، وإذا كانت هناك مشكلة صعب عليك حلها يمكن معالجتها بالدردشة الآلية أو باتصال واحد فقط، وستكفيك عناء الاستئذان للوقوف في طابور الانتظار بالبنوك، وساعاتها الطويلة، ومقابلة موظف البنك بمزاجه السيء، أو حتى تكلفة أوراق تحتاجها لإتمام طلب بالدفع مقابل تلك الورقة المطبوعة.
من خلال تجربتي، أنا في غاية الامتنان لمثل هذه البنوك الرقمية التي دخلت مجتمعنا، وإن كان لا يزال ينقصها الكثير رغم نضجها ونموها، فهي لا تزال تعجز عن تقديم خدمات كحسابات التوفير عالية المخاطر والرهونات والقروض. فهي لا تقدم كافة الخدمات التمويلية لتكون بديل كامل عن البنوك التقليدية، لذا كل ما تحتاجه المزيد من ضخ رؤوس الأموال والاستثمار لتقديم خدمات أكبر كالقروض والتمويلات الكبيرة.
وفي استطلاع بعنوان «تأثير التكنولوجيا المالية» أجرته مؤسسة هاريس بول الأمريكية، أكد فيه المستهلكون أنهم يتمتعون بفوائد عديدة لاستخدام التكنولوجيا المالية، بما في ذلك توفير الوقت، والشعور بالسيطرة على أموالهم، وتوفير المال، وأفاد 90% منهم أن التكنولوجيا المالية ساعدتهم بطريقة ما. كما سجل هذا القطاع عالميا نسبة نمو سنوية بلغت 2% في الربع الثاني من هذا العام بحسب الشركة الامريكية للأبحاث «سي بي انسايتس»، ليجني منه أرباح وصلت نحو 10.5 مليار دولار أمريكي.
alyaum2018@gmail.com