كل عام ومع عودة الطلاب إلى المدارس، تتجدد النقاشات في المجتمع حول الانضباط الدراسي وجودة المخرجات، وتتصاعد التساؤلات عن مدى فعالية القرارات التعليمية الجديدة. هذه المرة، جاءت العودة محمّلة بقرارات جريئة اتخذتها وزارة التعليم، تحت قيادة معالي الوزير الذي أثبت بعقليته الهندسية الصناعية أن التعليم ليس مجالًا جامدًا، بل منظومة قابلة للتطوير المستمر بما يخدم الوطن وأبناءه.
لقد كان ملف الانضباط الدراسي من أكثر الملفات إلحاحًا في السنوات الأخيرة. فالتسيّب لم يعد مقتصرًا على الطلاب الذين اعتادوا على الملخصات والطرق السهلة، بل طال بعض الكوادر التعليمية، ما أدى إلى ضعف في الالتزام والمهارات. وهذه ليست قضية بسيطة، بل مسألة تمسّ بناء رأس المال البشري الذي تراهن عليه الدولة في رؤيتها الطموحة. من هنا نفهم جيدًا حرص وزارة التعليم على إعادة الانضباط، لا باعتباره إجراءً إداريًا فقط، بل قيمة تربوية وثقافة مجتمعية لا غنى عنها.
اعتماد البصمة كوسيلة لضبط الحضور قد يكون حلًا تقنيًا سريعًا، لكنه ليس الهدف النهائي. فالمقصود هو أن يتشكل لدى الطالب والمعلم شعور بالمسؤولية والجدية. وإذا كان هذا الإجراء مكلفًا، فإنه يظل خطوة مهمة في البداية لترسيخ القيم، على أن تُستكمل بخطط متابعة الأداء وتكليف المهام وقياس الإنجاز. وهنا يظهر التوازن في رؤية الوزير: الجمع بين الانضباط الحضوري من جهة، وإيجاد آليات أكثر مرونة وكفاءة من جهة أخرى.
ولعل قرار العودة إلى نظام الفصلين مثال آخر على هذه المرونة. فالوزارة لم تتمسك بتجربة الفصول الثلاثة لمجرد أنها جديدة، بل كان لديها شجاعة المراجعة والتصحيح، وهذا ما يزيد ثقة المجتمع بقراراتها. نحن كأهالٍ ندرك أن التذبذب في القرارات يربك الأسر والطلاب والمعلمين، لكننا أيضًا نلمس أن وزارة التعليم اليوم أقرب إلى نبض الشارع، وأكثر وعيًا بخصوصية بيئتنا السعودية. إن العودة إلى الفصلين ليست تراجعًا، بل هي خطوة واقعية تتناسب مع ظروفنا المناخية والاجتماعية، وتنسجم مع طبيعة مجتمعنا الذي يستحق تجربة تعليمية أصيلة وليست مجرد استنساخ من تجارب الآخرين.
هنا تبرز قيمة الرؤية الوطنية التي يقودها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء «حفظه الله»، والتي أكدت أن التغيير الحقيقي يبدأ من الأعلى ليصل إلى كل التفاصيل في حياة المواطن.
وقطاع التعليم هو الأوضح مثالًا على ذلك: قرارات جريئة، مراجعة مستمرة، وحرص على أن يكون التغيير مبنيًا على بيانات علمية ورصد ميداني ومقارنات عالمية. هذا التوجه هو ما يجعل المجتمع أكثر ثقة بأن التطوير ليس عشوائيًا ولا ارتجاليًا، بل جزء من مشروع دولة طموح.
ومع كل ذلك، يبقى من المهم التأكيد على أن نجاح القرارات لا يُقاس فقط بما يضعه الوزير من أنظمة، بل بمدى قدرتنا جميعًا كمنظومة تعليمية ومجتمعية على تحويل هذه القرارات إلى ثقافة. وهنا تبرز حكمة معالي وزير التعليم الذي لم يكتفِ بالقرارات التنظيمية، بل حرص على أن يُدار التعليم بعقلية صناعية إنتاجية، ترى في الطالب استثمارًا وطنيًا، وفي المعلم شريكًا أساسيًا، وفي المجتمع حليفًا للتغيير.
لقد اعتدنا في عالم الإدارة أن نعزو الإنجازات أحيانًا إلى الأفراد، لكن الوزير نفسه يدرك أن الإنجاز لا يمكن أن يستمر دون مؤسسات قوية ونظام مستدام. وهذا ما يجعلنا مطمئنين بأن ما يحدث اليوم ليس مبادرات فردية عابرة، بل خطوات مدروسة ضمن مسار رؤية المملكة 2030 التي تُعلي من شأن التعليم كصانع لرأس المال البشري.
إننا كأهالٍ ومهتمين نثمّن هذه القرارات، وفي الوقت نفسه نعي أن الطريق طويل ويحتاج إلى صبر وتكاتف الجميع. لكن الثقة كبيرة، والقيادة ماضية، ووزير التعليم يمضي بخطوات ثابتة لتأسيس تجربة تعليمية سعودية أصيلة، تجمع بين الانضباط والمرونة، وبين الأصالة والمعاصرة، لتكون بحق رافدًا لرؤية وطن يتطلع إلى المستقبل بثقة.
dr0lamia@gmail.com