البصمة والألوان في التعليم!

في الأسبوع الماضي انعقد المؤتمر الصحفي الحكومي والذي استضاف وزير التعليم، وذلك للحديث عن أبرز مستجدات العام الدراسي ورحلة التحوُّل والتطوير في منظومة التعليم، اضافة إلى مستجدات تطوير التجربة الرقمية في التعليم، وتحسين الخدمة المقدمة للمستفيدين ومنسوبي التعليم في المملكة.
في هذا المقال سأتطرق لوجهة نظري الشخصية بعد متابعتي لردود الفعل التي كانت متباينة في وسائل التواصل الاجتماعي حول محاور المؤتمر، وقبل ذلك من المهم أن أنوه بأن ما سأتطرق له لا يقلل من جهود الوزارة أو أحد منسوبيها، ويعتبر مجرد رأي شخصي إيماناً مني بأن التعليم هو الأساس لكل تطور ونجاح في المجتمع والاقتصاد، وتقدير «المُعلم» هو تقدير لكل المجتمع، وهذا ما تربينا عليه منذ صغرنا.
وزارة التعليم من الوزارات التي شهدت تغييرات وإصلاحات عديدة منذ اطلاق رؤية المملكة، وهذا القطاع يحظى بالرعاية والدعم المتواصلين من القيادة الرشيدة «أيدها الله» باعتباره أولوية، والمساهم الأبرز في بناء الثروة البشرية والتي تعتبر من أهم الثروات في المملكة، ومن اطلاع على مستجدات هذا القطاع يتضح لي بأن هناك تركيز على ما يعرف بـ «تمهين التعليم»، والذي يركز على تحويل مهنة «المُعلم» لمهنة عالية الكفاءة والاحترام والتمكين، ومنحهم المكانة الاجتماعية والاستقلالية المهنية التي تليق برسالتهم الجليلة حتى نصل لنموذج تعليمي مميز عالمياً.
الأساس الذي نتفق عليه جميعاً هو بناء الثقة في المعلم ليترتقي بأدائه، لكن تفاجأت بكثير من القرارات والإجراءات يتم تداولها في الفترة الماضية بوسائل التواصل الاجتماعي حول منظومة التعليم والمعلمين والطلاب، وهذه القرارات والاجراءات تتطلب توضيحاً كافياً حتى تتضح الصورة للجميع، ومن الأمثلة على ذلك «ضبط حضور المعلمين من خلال البصمة والتركيز المبالغ على الزي المدرسي»، وكوجهة نظر شخصية أرى أن المراقبة الدقيقة للدقائق والألوان لا تبني عقولاً ولا تصنع مستقبلاً، ومن الصعب بناء نموذج تعليمي عالمي على أساس من الشك والرقابة المفرطة والانشغال بالتفاصيل الشكلية على حساب التحديات الأساسية لتطوير منظومة التعليم لننافس عالمياً.
التركيز المفرط على توقيت الدخول والخروج للمعلمين يعتبر «هوس»، وكأن الدقائق هي المعيار والمقياس الأساسي للإخلاص والكفاءة والتطوير، ولا يعني ذلك أني ضد مفهوم «الانضباطية»، لكن الأمر أصبح مبالغاً فيه ويقلل من الثقة التي هي الأساس في نظرتنا لجميع المعلمين أصحاب المقام الرفيع. ومن جانب آخر؛ التركيز على التفاصيل الشكلية «غير الجوهرية» مثل التركيز المبالغ فيه على ألوان الزي المدرسي للطلاب وتحويله لإنجاز على حساب التحديات الأخرى يعتبر إهداراً للوقت والجهد وإلهاءً عن مستهدفات منظومة التعليم في رؤية المملكة.
هذا التركيز مزعج وله آثار سلبية ويثير عدة تساؤلات؛ فنحن لا نرغب في تشويه صورة المهنة والتعليم في المملكة، ولا نتمنى أن نوصل أي رسائل للمجتمع مفادها أن المعلم لا يستحق الثقة ويحتاج لرقابة مشددة، ولا نرغب في الانفصام عن أولويات تطوير منظومة التعليم العالمية والتي تركز على تطوير المناهج ودمج التطور التكنولوجي بالإضافة لتعزيز المهارات وبناء الأجيال، وما نتطلع له هو بناء شراكة حقيقية بين «المؤسسات التعليمية والأسر والمجتمع» على أساس من الثقة المتبادلة.
ختاماً؛ أنا متفائل جداً في إحداث تغيير كبير في إستراتيجية التعليم بالمملكة، وتفاؤلي يُستمد من كون وزير التعليم الحالي له خبرة سابقة في قيادة إدارة الموارد البشرية في شركة من أكبر شركات القطاع الخاص، ويعي حجم تحديات مواءمة مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل، ويدرك تماماً أثر تعزيز «الثقة» على تحقيق المستهدفات الحقيقية لمنظومة التعليم.
مستشار موارد بشرية
khaled@econsult.com.sa

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *