اندهش أحد المغردين في من التحليل السياسي الرصين الذي كتبه للصحافي السعودي داود الشريان على منصة إكس متسائلاُ عن سر اختلافه عن ما كان يقدمه في برامجه التفزيونية السابقة، ليرد الشريان بأن الفارق ليس في الشخص، بل في الوسيلة والجمهور: «التلفزيون يخاطب جمهوراً واسعاً، متنوعا، يسمع ويرى، يسمى الجمهور العادي؛ لذلك يحتاج إلى لغة شفوية، مباشرة، أما إكس فأقرب إلى نخبة قارئة. جمهور يقرأ ولا يستهلك».
هذا الحوار هو تجسيد لصحة نظرية «وسيلة الإعلام هي الرسالة» للفيلسوف الكندي مارشال ماكلوهان التي ألف لها كتاباً في العام 1967 ولا يزال محتواه متوائها تماماً مع عصر الإعلام الجديد، «السوشال ميديا». النظرية تقول بأن الوسيلة الاتصالية نفسها هي من تشكل طريقة تفكير الناس أكثر من محتواها. فمثلا اختراع الطابعة عزز الفردية والتفكير العقلاني في المجتمع الاوربي بغض النظر عن محتوى الكتب، والتلفزيون غير نمط الحياة الاسرية وخلق ثقافة جماهيرية مع اختلاف البرامج، كما أن الهواتف الذكية أعادت تشكيل إدارك الزمان والمكان دون حساب قيمة المحتوى.
الرسالة الأساسية لماكلوهان، أننا كثيرًا ما نركّز على المحتوى «ماذا قيل؟»، بينما الأهم هو الوسيلة «كيف قيل؟»، لأنها هي التي تعيد تشكيل إدراك الإنسان، وتعيد تكوين البيئة العقلية والثقافية والاجتماعية.
هو يرى أيضا أن الوسائل امتداد للحواس، وامتداد لوظيفة من وظائف الجسد، فالراديو امتداد للسمع، والتلفزيون امتداد للبصر والسمع، والإنترنت امتداد للعقل، وهو ما ينطبق على الذكاء الاصطناعي اليوم.
المحتوى قد يكون «فيلمًا أو تغريدة»، لكن الرسالة الحقيقية هي «تأثير الوسيلة التي جاء بها هذا المحتوى على إدراك الناس».
هذا الامتداد لا يضيف قدرة جديدة من قدرات التأثير الإعلامي، بل يغيّر شكل الوعي ونمط التفكير ذاته لدى المتلقي.. فالوسيلة ليست مجرد أداة محايدة، بل هي فاعل ثقافي واجتماعي يشكّل الإنسان والمجتمع .
بعبارة أخرى كل وسيلة جديدة تغيّر بنية الإدراك، وبالتالي تغيّر الإنسان نفسه. الرسالة الحقيقية ليست ما يُقال عبر الوسيلة، بل الوسيلة نفسها باعتبارها “البيئة الجديدة” التي نعيش فيها.
وختاماً.. داود الشريان لم يتغير حين قدم برنامج بلكنة محلية شعبية بسيطة، ولم يتبدل حين صار يكتب تعليقاً سياسياً موجزاً على منصة «إكس»، لكن الوسيلة الإعلامية بيئة كاملة تُعيد تشكيل من يدخلها. وسيلة الإعلام ليست مجرد «قناة» فقط، بل عالم معرفي وسلوكي.
waleedalahmmed@yahoo.co.uk