التخرج من الجامعة هو اللحظة التي ينتظرها الطلاب والطالبات وسهروا لأجلها الليالي وثابروا بجد واجتهاد حتى يتمكنوا من بلوغ هذا الهدف المصيري الذي يرسم ملامح مستقبلهم في هذه الحياة ومسيرتهم المهنية.
ولكن بعد الانتقال من هذه المرحلة وتحقيق هذا الهدف الهام، يأتي الهدف الأهم، بعد أن يصبح الطالب خريجاً ويبدأ البحث عن فرصته الأولى.
يقف الخريج اليوم على مشارف سوق العمل، متوشّحًا بشهادته الجامعية، متأهّبًا لخطوته الأولى نحو الحياة المهنية، ومحمّلًا بآمالِ عائلةٍ، وتطلّعاتِ سنواتٍ قضاها بين الكتب والقاعات.
لكن سرعان ما تُفاجئه الشروط المعلّقة على أبواب الوظائف: «يشترط وجود خبرة لا تقل عن ثلاث سنوات!» وهنا تبدأ المفارقة: كيف يُطلَب من حديث التخرّج أن يمتلك خبرةً لم تُتح له فرصة اكتسابها؟ كيف يُتوقَّع من الخريج أن يكون خبيرًا، فيما أبواب السوق لا تفتح له إلا بشروطٍ لا تنطبق عليه؟
فتغدو الوظائف كالأحلام المؤجَّلة، تُلاحقها السير الذاتية، وتُقصيها المفاضلات، وكأن الخبرة أصبحت عملةً نادرة، لا تُمنح إلا للعارفين، بينما يُترك حديثو التخرّج خلف الأبواب، وإن حملوا من الطموح ما يكفي لإشعال ألف مشروع.
الواقع أن كثيرًا من شبابنا لا يفتقرون إلى الكفاءة، بل إلى الفرصة الأولى، فالجامعات خرّجت جيلًا يملك أدوات التحليل والتفكير، لكن السوق يُطالبه أن يكون قد خاض التجربة قبل أن يُسمح له حتى ببدئها.
فهل أصبحت الشهادة اليوم تذكرة انتظار لا عبور؟ ورغم قسوة المعادلة، يبقى هناك ما يُضيء الطريق، فالخبرة تُبنى، ولو من الحصى: تدريب تطوّعي، دورات تأهيلية، مشاريع شخصية، وحتى التجارب البسيطة قد تكون مفتاحًا لأبوابٍ كبرى، ومن لا تُفتح له الأبواب، يستطيع أن يصنع نافذته الخاصة.
إنها دعوة لكل خريج: لا تجعل انتظار الوظيفة يُطفئ فيك وهج البدايات، ارسم طريقك، تعلّم ما استطعت، وامضِ ولو بخطوة، فالرزق لا يُغلق أبوابه على من سعى، والخبرة ليست حكرًا على أصحاب العقود الطويلة، بل لمن زرع اجتهاده في أرض الحُلم، ومضى بثباتٍ نحو فجرٍ ينتظره.
manarmalzahranii@gmail.com