هل مررت يومًا بموقف مزعج جعلك تغلي من الداخل، ثم بعد ساعات أو أيام، حاولت أن تُهدّئ نفسك وتقول: «لم يكن يستحق كل هذا الانفعال!»؟
إذا كانت إجابتك نعم – كما هو حال أغلبنا – فاعلم أنك مارست، ربما دون وعي، ما يُعرف في علم النفس بـ «إعادة التقييم المعرفي» – Cognitive Reappraisal-.
إنها تلك اللحظة التي تنظر فيها إلى الموقف مرة أخرى، لا من موقع التوتر، بل من نقطة أهدأ. تُعيد ترتيب أفكارك، لا لتُنكر مشاعرك، بل لتفهمها من جديد. وكأنك تجلس مع نفسك جلسة صدق وتسألها بلطف: «ما الذي حدث؟ ولماذا تأثرتُ بهذا الشكل؟ وهل كان الأمر يستحق كل هذا الغضب؟»
في جوهرها، إعادة التقييم المعرفي ليست إنكارًا لما نشعر به، بل استدعاء للعقل حين يغيب، واحتكام للوعي حين تندفع العاطفة. فهي محاولة لترويض الشعور عبر فهم أسبابه، ثم اختيار زاوية أعدل، وأحيانًا أجمل، لتفسيره.
لنتأمل مثلًا هذا الموقف: ملاحظة ناقدة من صديق أزعجتك، وتركت أثرًا سلبيًّا في نفسك. وبعد مضي الوقت، تعود إلى الموقف بنظرة مختلفة: تدرك أنه لم يكن يقصد الإساءة، أو أنه ربما كان يمرّ بيومٍ صعب. هذه القدرة على تفكيك الانفعال وإعادة تفسيره هي التطبيق العملي لهذه المهارة النفسية التي يُجمع علماء النفس على أهميتها.
بحسب الدراسات، فإن الأشخاص الذين يمارسون إعادة التقييم بانتظام يتمتعون بصحة نفسية أفضل، وتوازن انفعالي أعلى، ويبدون قدرة على التعامل مع المواقف الصعبة دون أن ينهاروا أمامها. الأهم من ذلك أن هذه المهارة ليست فطرية ولا حكرًا على المتخصصين. بل تبدأ من لحظة بسيطة تقول فيها لنفسك: «ربما ما فكرتُ فيه أولاً لم يكن التفسير الوحيد.»
إنها محادثة داخلية راقية مع الذات، لا تُقصي الشعور، بل تُضيء عليه من زوايا مختلفة. ولا تهرُب من الموقف، بل تعيده إلى حجمه الطبيعي. وبهذا، تصبح أداة فعالة في مواجهة الضغوط اليومية، فنحن لا نتحكم دائمًا فيما يحدث لنا، لكننا نملك دومًا حق تفسير ما يحدث.
وحين نُغيّر زاوية النظر، كثيرًا ما تتبدّل طبيعة المشهد.
ففي المرة القادمة التي يزعجك فيها شيء، لا تسرع في إصدار الأحكام. خذ نفسًا عميقًا، وأنصت لما يدور داخلك، واسأل بهدوء وحيادية ؛ «هل يمكن أن أرى هذا بشكل مختلف؟”
وستندهش من تعدد الإجابات.
lama@odec-sa.com