الماء.. نصّ وتشكيل

جميع ما كتبته عن المياه خلال الثلاثة العقود الماضية هو حقٌ مسؤولٌ. مبنيٌ على حقائق علمية. يجسّد مسؤولية تجاه الوطن وأجياله. حقٌ يتجدد. لا يبلى. لا تفسد أهميته بتقادمه. لا تتغير أهدافه. بل سيظل ينذر ويحذِّر. سيظل يحمل تحفيزًا ويعزِّز. يُذكّر دوما بأهمية المياه الجوفية في ظل حقيقة ندرة موارد المياه الطبيعية في بلادنا -حفظها الله -. بجانب كونه محدود الكم والكيف.
إن ما كتبته يقدم نموذجا فريدا لخارطة جهد بذلته بالرأي عبر الصحافة السعودية. بفخر أقولها: كنت أول أكاديمي سعودي يتبنّى قضية المياه لأكثر من ثلاثة عقود متتالية. نقلتها رسالة من قاعات المحاضرات، وفعاليات المؤتمرات والندوات، ومن المكتبات العلمية، وبطون الكتب والسجلات العلمية البحثية، إلى ميادين ساحات الثقافة المفتوحة للجميع. عرضتها أمام المجتمع بكل شرائحه. «بفخر» رسالتي هذه أشبه برسائل الملهمين في الأرض عبر تاريخها.
بداية.. كيف تشكلت قضية الماء في نفسي؟ كيف أصبحت فكرا أحمله؟ حتى تظهر حقيقة هذه القضية نصا وتشكيلا أمام الجميع، أقدم لكم «تباعا» سيرة قضية الماء التي أحمل. تجدون مسيرتها في صفحات كتبي عن الماء. وصلت حتى الآن 12 كتابا. هناك ثلاثة أخرى، أرجو الدعاء معي لترى النور قريبا.
قبل ذلك.. وجدت أن ما يحرك الاهتمام هو حب العمل الذي يقود إلى المثابرة لخدمته، وتعزيز شأنه. هذا يعني الإخلاص في حب الشيء. هذا الإخلاص ما هو إلا ثمرة الإتقان الذي عشته، وتفاعلت معه لخدمة قضيتي: المياه الجوفية.
أي عمل أقوم به.. يصبح قضيتي الكبرى.. أعيش من أجلها. هكذا كنت حتى مع كل المهام التي تم تكليفي بها في جامعتي جامعة الملك فيصل. هذا المبدأ ساد وتأصل وتعزز عبر مسيرة حياتي. هذا المبدأ في جزء منه كان نتيجة تربية عشتها في بيت منضبط، ومجتمع كل شيء في حياته يسري بانضباط عمل الساعة. يشهد بهذا كل من عملت معه، سواء في مسيرتي الدراسية من أساتذة، أو زملاء العمل الوظيفي. وحتى مع طلابي.. غيرة، ومحبة، ورسالة.
دخل الماء حياتي بقوة.. ليصبح هو كل عملي واهتمامي. لم أتلق أي تكليف بهذا من أحد، لكنها المسؤولية الشخصية العلمية قادتني للوقوف على أهمية هذا العنصر الحيوي. عززها مراحل عديدة من حياتي، قادت بتراكم إيحائها ودروسها وعبرها لأن تصبح المياه الجوفية قضيتي الكبرى نصا وتشكيلا.. وبشكل يومي.
حتى تتضح صور تشكيل الماء في نفسي، وبعد أن أصبح نصا أحمله بفخر كعمل ومهمة لخدمته، لابد من الشرح، وتوضيح بعض نقاط الانقلاب التي حصلت في حياتي لصالح الماء. الأمل أن ذكرها سيكون ملهما لغيري في مسيرة حياتهم.
أن تتشبع بحمل قضية أي شيء، لابد قبلها من وجود قناعات وإيمان بأهمية هذا الشيء. وتأتي أهمية الماء من الدور الذي يلعبه في مصير حياتنا. أيضا من مدى التأثير الإيجابي لتوفره والسلبي لغيابه.
الماء ليس له بديلا.. غيابه فاجعة في الحياة.. هذا الماء يشكل المصير.. ويرسم شكل النهايات.. شئنا أم أبينا.. من هنا تولدت القناعات وترسخت علميا.. فأصبح الماء رسالة حياتي نصّا وتشكيلا.. بغايات نهائية.. كلها خير حتى على الأجيال التي لم تولد بعد. ويستمر الحديث.
mgh7m@yahoo.com

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *