في ظل التحديات التنافسية التي تواجهها منشآت القطاع الخاص في المحافظة على الموظفين، ومع تطور ممارسات إدارة الموارد البشرية على الصعيد العالمي، نجد أن هناك حاجة إلى تبني مفاهيم أكثر شمولية لتحسين بيئة العمل والمحافظة على استقرار الموظفين بالإضافة لتعزيز رفاهيتهم، وأحد تلك المفاهيم هي «السعادة الوظيفية»، وفي هذا المقال سأتطرق لأهمية تطبيق «السعادة الوظيفية» داخل بيئة العمل، مع تحليل الآثار الإيجابية لهذا التوجه واقتراح آليات لتشجيعه.
هناك قاعدة عامة مهمة في قطاع الأعمال وهي «ما لا تستطيع قياسه لا يمكنك إدارته، وما لا تستطيع إدارته لا يمكنك تطويره»، ولذلك نجد أن العديد من منشآت القطاع الخاص ليس لديها القدرة على المحافظة على استقرار الموظفين فيها خاصة الكفاءات، ومن الأسباب الرئيسية لذلك عدم القدرة على «قياس وتحليل احتياجات الموظفين»، سواء كان ذلك احتياجات «نفسية، اجتماعية، مهنية»، ولهذا السبب نجد عدم استقرار للموظفين في تلك المنشآت، مما يؤثر سلباً علـى استقرار العمل وتتكبد تلك المنشآت تكاليف إضافية مرتفعة تُعرف بـ «تكلفة استبدال الموظفين».
من جانب آخر؛ المنشآت التي تهتم في «قياس وتحليل احتياجات موظفيها» نجد فيها قصص نجاح عديدة بالإضافة لارتفاع في مؤشرات استقرار الموظفين والقابلية لجذب الكفاءات بشكل أكبر من غيرها، سواء كان ذلك من خلال تعيين مسؤول عن «السعادة الوظيفية» أو إضافة مهام خاصة في هذا الجانب من ضمن مهام إدارات الموارد البشرية، والأثر الناتج من هذا التوجه هو خلق بيئة عمل إيجابية تقلل من التوتر والضغوط، وتعزيز التواصل الفعال بين الموظفين وإدارة المنشأة، بالإضافة لرفع مستويات الإنتاجية والابتكار، حيث أثبتت العديد من الدراسات أن الموظفين السعداء أكثر إنتاجية، والرضا الوظيفي يحفز الإبداع والولاء التنظيمي مما يعزز من الميزة التنافسية للمنشأة، وباختصار نجد أن المنشآت التي تتبنى ثقافة السعادة الوظيفية تكتسب سمعة طيبة في سوق العمل، مما يجذب الكفاءات ويرفع من قيمة سمعتها التجارية كبيئة عمل جاذبة ومفضلة.
للأسف تعتقد الكثير من المنشآت بأن تطبيق مفهوم «السعادة الوظيفية» يتطلب موارد ضخمة وهيكلة معقدة، وهذا الاعتقاد غير صحيح، لأن في الواقع يمكن تنفيذ هذا التوجه بخطوات بسيطة ومرنة وسهلة التطبيق دون تعقيدات إدارية أو مالية، وكوجهة نظر شخصية يمكن البدء فى ذلك من خلال تعيين «مسؤول السعادة الوظيفية» حتى لو كان ذلك بدوام جزئي، أو اختيار أحد الموظفين في المنشأة ليتولى هذا الدور جزئياً، وتكون أحد أدواره الرئيسية العمل مع الإدارات المختلفة لإنشاء بيئة عمل إيجابية وصحية للموظفين.
ومن ثم يتم البدء في تصميم سياسات مرنة تدعم التوازن بين الحياة العملية والشخصية للموظفين، وتنظيم أنشطة وفعاليات ومبادرات بسيطة لتعزيز الروح المعنوية للموظفين والاحتفاء بهم، وأيضاً من خلال تطبيق استبيانات بسيطة بشكل دوري لقياس السعادة الوظيفية مع أهمية تحليل النتائج واتخاذ الاجراءات السريعة وتحديد المجالات التي يمكن تحسينها، بالإضافة لعقد لقاءات دورية مفتوحة مع الإدارة العليا للاستماع إلى مقترحات الموظفين.
ختاماً؛ قياس وتحليل احتياجات الموظفين من خلال تبني مفهوم «السعادة الوظيفية» ليس رفاهية، بل يعتبر استثمار ذو عوائد ملموسة على الموظفين والمنشآت وسوق العمل بشكل عام، وتطبيق مفهوم «السعادة الوظيفية» ليس معقداً، بل يعتمد على الاستماع الجيد والمبادرات الذكية والالتزام بالتغيير التدريجي، ولذلك يمكن القول بأن السعادة الوظيفية ليست مجرد شعار، بل تعتبر فلسفة إدارية ستحدد مستقبل بيئات العمل وبشكل مُلفت خلال الفترة القادمة.
مستشار موارد بشرية
khaled@econsult.com.sa