هل تصالحت مع الآلة؟

هذه الأيام، يرافقني كتاب صانعو الأخبار: الذكاء الاصطناعي ومستقبل الصحافة، لمؤلفه فرانسيسكو ماركوني، وترجمة د. شاكر الذيابي، حيث يتحدث عن المشاكل التي واجهت الصحافة أثناء الفترة الانتقالية، ثم تحولها إلى مرحلة التمكين، من خلال بناء علاقة تشاركية بين الإنسان والآلة في السرد القصصي، وتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي داخل غرف الأخبار مع إخضاعها للرقابة، وأخيرًا، يقدم رؤيته لتحقيق توازن بين سير العمل الصحفي والذكاء الاصطناعي.
وعند النظر إلى ماضي صحافتنا العريقة، نجد أن بعض الصحف الورقية التي رفضت التأقلم مع المواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي لم تصمد طويلًا، في الوقت الذي حافظت فيه صحف أخرى على استمراريتها، لأنها واكبت التطورات الرقمية ووظفتها بما يتماشى مع سياستها، بدلًا من محاربتها أو الوقوف في طريقها.
وهنا أطرح سؤالًا، موجهًا إلى الجميع، خاصةً زملاء المهنة: هل تصالحت مع ذكاء الآلة؟ أم ما زلت تدفعه في منأى بعيدًا عنك؟ إن كانت إجابتك «لا»، فدعني أخبرك أن الخاسر في هذه المعركة هو أنت، وأنني أراك في المستقبل القريب متقوقعًا على نفسك، وما إن يحدثك أحدهم عن أبرز ما توصلت إليه شركات الذكاء الاصطناعي، حتى تثور في وجهه قائلًا: «كفاكم تمجيدًا للآلة، فقد صنعتموها لتسلب منا أدوارنا كصحافيين بارعين، وإعلاميين ماهرين».
ولكن مهلًا يا هذا، إن كنت تدّعي أن الآلة أتت لتسلب بساط الصحافة من تحت أقدامك، فهذا محض هراء، لأنك أنت من تنازلت عن البساط حين أعلنت حربك على الآلة، بينما جعلنا – أنا ومئات الصحافيين أمثالي – الآلة حليفة لنا، تساندنا وتُسرّع وتيرة أعمالنا، فبعد أن كنا نبحث يومًا كاملًا عن الصور المناسبة لصناعة محتوى هادف، أصبحنا نشكّلها كما نريد بأدوات الذكاء الاصطناعي المتنوعة في غضون دقائق، وبعد أن كنا نقضي الأسابيع في الرصد الإعلامي وتحليل المنشورات على منصةٍ ما، أصبحنا نرصد خلال ساعة واحدة من العمل المكثف.
وأقول «كما قال غيري الكثير ممن وظفوا الآلة وحرصوا على مواكبة تطوراتها»، إن دورنا كإعلاميين، أياً كان مسمانا، لم يتغير قط، فما زلنا نسرد القصص، نلتقط الصور، نحرر المقالات، ونجري رصدًا إعلاميًا بين حين وآخر، وعلاوة على هذا كله، ما زلنا نملك قلمًا إصلاحيًا، وفكرًا تطويريًا، كما نُشيد بمنجزات وطننا على الصعيدين الإقليمي والدولي، ونُلهم الشباب بصناعاتنا الإعلامية الهادفة.
ولذا؛ نحن لم نتغير، ولم تسلبنا الآلة بساطنا، بل ما زلنا نفعل أدوارنا وأكثر، إنما الذي تغير هو أدواتنا ومدى سرعتنا في إنجاز مهامنا. ويبقى سؤالي الأخير، وكلمتي الختامية: إن تأخر التصالح لن يوقف الآلة، بل سيوقفك أنت.
amera.af2@gmail.com

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *