نبتلى أحياناً بأصحاب النظرة السوداوية، فكل الأمور إلى انهيار، وكل العالم على خطأ، ولذلك نعيش -كما يعيشون- في كآبة لا تبني مستقبلاً ولا تسر واقعاً، وبالمقابل هناك من يعيش في تفاؤل مفرط، لا يعمل ويريد النجاح، لا يدرس ويريد التفوق، لا يقدم ما يستحق ويريد ما لا يستحق.
بين هذا وذاك لابد من التوازن، ولكن يظل للتفاؤل تميزه، وللبشارات طعمها، ولذلك لا تبتعد عن المتفائلين مهما كان، ولا تقع في أحضان المتشائمين الذين يدمرون ولا يعمّرون.
في سيرة المصطفى صلوات الله وسلامه عليه تجد تفاؤلاً واستبشاراً في أحلك الظروف، ولا غرابة في ذلك فمن تعلق بربه وعمل واجتهد سينال ما يطمح إليه، فالقرآن كان ينزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما حدث لإخوانه الأنبياء قبله، وما عانوا منه وكيف كانت العاقبة لهم، وفي قصص الناجحين تغذية ودعماً.
بل صرح القرآن بأن المستقبل مشرق لأهل المنهج الحق الذين يريدون الخير للعالم ولا يريدون الفساد ولا الإفساد، فقال سبحانه: «ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المُرْسَلِينَ إنهم لهم المنصورون، وإن جندنا لَهُمُ الغالبون، فتولّ عنهم حتى حين، وأبصرهم فسوف يبصرون، أَفَبِعَذَابِنَا يستعجلون، فإذا نزل بساحتهم فساء صباح الْمُنذَرِينَ» وبشر جل جلاله: «سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ» .
وكان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم آية في التفاؤل، فكان إذا وافى الموسم، وقام بين الناس في عُكاظ، ومَجَنَّة، وذى المَجَاز لتبليغ الرسالة، لم يكن يبشرهم بالجنة فحسب، بل يقول لهم بكل صراحة: «يأيها الناس، قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا، وتملكوا بها العرب، وتدين لكم بها العجم، فإذا متم كنتم ملوكًا في الجنة».
وذكر الصحابي الجليل خباب بن الأرتّ رضي الله عنه: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد برده وهو في ظل الكعبة، وقد لقينا من المشركين شدة، فقلت: ألا تدعو الله، فقعد، وهو محمر وجهه، فقال: «لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم وعصب ما يصرفه ذلك عن دينه، وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله ـ زاد بيان الراوى ـ والذئب على غنمه» وفي رواية: «ولكنكم تستعجلون».
لا تستعجل فتتشاءم فتفشل فتنهار.
aldabaan@hotmail.com