ذكر الخطيب البغدادي في كتابه البخلاء: صحب الغاضري رجلا من المدينة إلى مكة، فلما نزلوا المنزل دعا الرجل بالطعام، فأتوه في طعامه بدجاجة باردة مشوية، فقال: يا غلام، أسخنها، فلم يردّها الخباز حتى رُفع الخوان، فلما نزلوا المنزل الثاني دعا الرجل بالطعام، فأتوه بالدجاجة، فأمر بها أن تسخّن، فرُفع الطعام قبل أن يأتوا بها، ففعل ذلك ثلاث مرات، فلما طال ذلك على الغاضري، قَالَ: ويحكم، أخبروني عن دجاجتكم هذه، أمن آل فرعون هي؟ قالوا: وما ذاك؟ قَالَ: لأنها تعرض على النار غدواً وعشياً، فقال له الرجل: أكتم علي، ولك مئة دينار، قَالَ: ما كنت لأبيع هذا بشيء.
أعتقد أن دجاجة آل فرعون التي تعرض على النار غدواً وعشياً ليست أسطورة، فهي لا زالت موجودة في عالمنا اليوم، وتتمثل في قرارات البعض وتردده في اتخاذ القرار حتى تضيع الفرص.
في بيوتنا هناك ضعف في التربية على اتخاذ القرار الرشيد ولذلك ترى اندفاعا من بعض الأبناء في اتخاذ القرارات بدون نصح ولا توجيه من الأهل فيقع في كثير من الأحيان فيما لا تحمد عقباه، أو تردداً وضعفاً وتبعية من البعض الآخر، فتجده يسلم رقبته لكل أحد غير والديه طبعاً، للصديق الفاشل، والرفيق قليل التجربة فيتخذون القرارات بالنيابة عنه وهو يسير وراءهم بلا إدراك ولا مراجعة حتى في أبسط الأشياء.
وفي إداراتنا هناك شكوى مريرة من ضعف اتخاذ القرار من قبل بعض المديرين، مع أن هربرت سايمون عالم الإدارة الشهير الذي كون مدرسة اتخاذ القرار، يقول: اتخاذ القرار قلب العملية الإدارية، وبالتالي فالإدارة بلا اتخاذ قرار هي جسد بلا قلب، ومع ذلك تجد بعض المديرين كلما عُرض عليه أمر نشف ريقه وأصابته الآلام في بطنه، وضاعت الفرص وهو لا زال يعرضها على النار غدواً وعشياً.
يجب أن نتدرب وندرب على اتخاذ القرار الرشيد، فهي مهارة نحن وأبناؤنا بأمس الحاجة إليها، بداية من البيت ومروراً بالمدرسة والجامعة، وليس انتهاءً ببيئة العمل، فاتخاذ القرار مهمة عظيمة لا غنى لأي إنسان عنها.
توكلوا على الله، وادعوا، واستشيروا واستخيروا، وسيروا وفق الأسس العلمية، ثم اتخذوا قراركم، واعلموا أن الخيرة فيما اختاره الله.
aldabaan@hotmail.com