قراءة نقدية في منحوتة “الطموح

منحوتة «الطموح».. ليست مجرد قطعة نحتية، بل كيان حي ينبض بالفكر والخيال والروح، انفردت بروحها وهوية لا تشبه أي عمل آخر. في هذا العمل، تتقاطع البنية، اللون، الحركة، اللغة المسرحية، والفلسفة الإنسانية لتخلق تجربة حسية وفكرية متكاملة تجعل المشاهد يعيش المنحوتة قبل أن يراها.
تبدأ قراءة منحوتة «الطموح» للفنان والنحات السعودي خالد العنقري من الحجر الثابت أسفلها، الذي يشبه قاعدة خشبة المسرح، يمنح العمل صلابته وثباته، وكأنه المنصة التي ينبثق منها كل حراك فني وفكري. هذا الحجر ليس مجرد دعم مادي، بل رمز للأصالة والهوية الراسخة، التي تظل صامدة رغم كل التغييرات الجذرية في البنية أو المواد أو الاتجاهات التصميمية. ومن هذه القاعدة تتفرع المحاور الأساسية، حيث يظهر الطموح في قلب العمل لطيفًا ومتماسكًا، محافظًا على هويته الجوهرية، حتى مع تغيرات الشكل أو المواد أو الحركة، ليصبح رمزًا للتماسك بين الماضي والحاضر، بين الثابت والمتغير.
الألوان في المنحوتة تضيف بعدًا بصريًا وحسيًا، فهي تغذية للعين والروح، كأنها نغمات موسيقية تنتقل من العين إلى القلب، فتخلق انسجامًا داخليًا بين الشكل والمضمون. الألوان ليست مجرد زخرفة، بل لغة بصرية متكاملة تعكس الطاقة والطموح، وتؤكد على الثبات الداخلي والهوية في الوقت ذاته.
يمكن قراءة المنحوتة من اليسار إلى اليمين، ومن اليمين إلى اليسار، وفق قاعدة المشاهد نفسه، ما يمنحها ديناميكية وحرية في التفاعل. هنا تتجلى اللغة المسرحية، بين التراجيديا والكوميديا، بين الثبات والانفجار، بين الجذور والتطلعات، لتجعل المنحوتة مشهدًا حيًا يفتح نافذة للخيال والتفسير الشخصي، ويكشف أن الطموح ليس مجرد حركة مادية، بل تجربة وجدانية وفكرية متكاملة.
من خلال هذا الخيال الفني الجميل، تحمل المنحوتة مفاتيح الإبداع؛ فهي تذكّرنا بأن داخل كل إنسان توجد رسالة ملهمة وطموحة تنتظر أن تتحقق. كل حجر، كل خط، وكل لون في المنحوتة يرمز إلى رحلة الطموح، وإلى القدرة على الجمع بين الأصالة والابتكار، بين الثابت والمتغير، وبين الجذور والانفتاح على المستقبل. إنها تجربة فلسفية حسية تجعل المشاهد يدرك أن الإبداع والطموح ينبعان من الداخل قبل أن يتجسدا في العالم الخارجي.
المنحوتة، من خلال بنيتها الثابتة وألوانها الغنية، توضح أن الطموح لطيف ومتماسك بالهوية، فهي ليست فقط في شكلها أو ألوانها أو حركتها، بل في قدرتها على إشراك المشاهد في تجربة حسية ونقدية وفكرية متكاملة، تجعل كل من يقترب منها يعيش التفاعل مع البنية، اللون، الحركة، الرمزية، والرسالة الإنسانية، ويشعر أن داخل كل إنسان طموح ملهم ينتظر أن يحقق ذاته.
هكذا تصبح منحوتة «الطموح» أكثر من مجرد عمل فني؛ إنها نص بصري وفلسفي وحسي، يفتح نافذة للخيال، ويجمع بين الماضي والحاضر، بين الأصالة والتجدد، بين الثابت والمتغير، وبين القيم الإنسانية والطموح. تجربة تجعل كل من يتفاعل معها يعيش الفن قبل أن يراه، ويشعر بأن الطموح والإبداع هما روح الإنسان وهويته في الوقت ذاته، وأن الفن الحقيقي يكمن في القدرة على الجمع بين المعنى والشكل، بين الجوهر والخيال، بين الثابت والمتحرك.
ayaamq222@gmail.com

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *