اليوم العالمي للطفلة.. الفتاة السعودية نموذج في المساواة والتمكين

يُصادف يوم 11 أكتوبر من كل عام اليوم العالمي للطفلة، الذي أقرّته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2011 بموجب القرار (66/170)، بهدف الاعتراف بحقوق الفتيات وتسليط الضوء على التحديات الفريدة التي تواجههن حول العالم، وتعزيز الجهود الرامية إلى تمكينهن وضمان حقوق الإنسان المكفولة لهن.

ويأتي احتفال هذا العام 2025 تحت شعار: «شخصيتي، والتغيير الذي أقوده: الفتيات في الصفوف الأمامية للأزمات»، وهو شعار جرى اختياره بالتشاور مع منظمات الفتيات وشركاء الأمم المتحدة، تأكيدًا على دور الفتيات الفاعل في مواجهة الأزمات وصناعة مستقبل أفضل.

مساواة وتمكين

حَظيت الفتاة السعودية، كَنظيرها الفتى، باهتمامٍ ورعايةٍ منذ عهد الملك عبدالعزيز، موحّد المملكة – طيّب الله ثراه – ومن بعده أبناؤه الملوك، فتواجدت في مختلف المجالات مشاركةً بجهدها في بناء الوطن ودعم أركانه.

ففي التعليم القديم، ارتادت الفتاة السعودية مع أخيها السعودي المرافق التعليمية المتوفّرة في ذلك الوقت، إذ كان التعليم في حينها في الكتاتيب، وهو الاسم الموازي للمدرسة في العصر الحاضر، وهي مؤسسات لتعليم الصغار القراءة والكتابة والتربية الإسلامية الجيدة، فتعلّمت الكبيرات والصغيرات فيها المزيد من المعارف الشرعية والدنيوية.

وإيمانًا من المملكة بأهمية التعليم، حرصت على توفير الفرص التعليمية والتدريبية لكافة فئات المجتمع، فكانت للفتيات دون سن السادسة، كما للأطفال، فرصة الدراسة في مرحلة الطفولة المبكرة عبر الروضات الحكومية والأهلية، التي كانت تنقسم إلى الحضانات والتمهيدي.

ويقوم النظام التعليمي في المملكة بشكلٍ أساسي على المساواة بين الرجل والمرأة في جميع جوانبه، سواء ما يتعلق بآليات القبول والالتحاق بالمراحل الدراسية، أو بالمناهج والاختبارات، أو بمؤهلات المعلمين والمحاضرين، أو بنوعية المرافق والمعدات الدراسية.

بل إن المرأة حظيت باهتمامٍ أكبر في هذا الجانب من قبيل “التمييز الإيجابي”، لا سيما مع استمرار إنشاء المدن الجامعية الخاصة بالفتيات.

وقد وضعت وزارة التعليم أسس التنمية البدنية والاجتماعية والعاطفية والذهنية للطالبات والطلاب وتطويرها بشكلٍ متزامن منذ مرحلة الطفولة المبكرة (من سن 3 إلى 8 سنوات).

وتعتمد هذه العملية في كل مرحلة على القدرات التي يحققها الطفل في المرحلة السابقة، وجاءت تلك السياسات لتلبي الحاجات الخاصة للمتعلمين الصغار، وترتقي بمستويات الأداء وتطوّر الخطط لبناء وتشكيل مؤسسي يهيئ الطفل والطفلة لمراحل التعليم الأعلى.

حماية شاملة

وجدت الفتاة السعودية اهتمامًا كبيرًا يحميها من الاستغلال أو إجبارها على العمل في سنٍ صغيرة، إذ وقّعت المملكة على العديد من الاتفاقيات التي من شأنها تهيئة بيئة سليمة ومعافاة تنشأ فيها حتى تصل إلى سنّ العمل القانوني.

واتخذت المملكة جملة من الإجراءات لمنع الأطفال من العمل في سنٍ مبكرة، من بينها ما نصّ عليه نظام العمل في مادته الثانية والستين بعد المائة: «لا يجوز تشغيل أي شخص لم يتم الخامسة عشرة من عمره، ولا يُسمح له بدخول أماكن العمل».

وانضمت المملكة إلى اتفاقية حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال والإجراءات الفورية للقضاء عليها في 1 محرم 1422هـ الموافق 26 مارس 2001م، التي أقرها مؤتمر العمل الدولي في دورته (87) المنعقدة في جنيف في يونيو 1999م.

وصدر تعميم لجميع إمارات المناطق والجهات الحكومية باتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع الأطفال من مزاولة البيع في تقاطعات الطرق وغيرها من المهن الأخرى في جميع مناطق المملكة.

كما وافقت المملكة في 8 / 7 / 1422هـ على التوصية رقم (190) بشأن حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال والإجراءات الفورية للقضاء عليها، وأقرّت بروتوكول منع وقمع الاتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال، المكمّل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية، وفق قرار مجلس الوزراء الصادر في 10 جمادى الآخرة 1428هـ الموافق 25 يونيو 2007م.

وفيما يتصل بالاتجار في الأطفال وتشغيلهم في سنٍ مبكرة، مما يؤدي إلى حرمانهم من مواصلة تعليمهم، فإن هؤلاء ينصرفون عادة عن الدراسة ويتفرغون للعمل كمساعدين هامشيين لمن هم أكبر منهم سنًا، فينشأون وهم قليلو التجربة والتعليم، مما يؤدي إلى تفشّي الأمية في المجتمع.

وجاءت المادة الثانية من نظام حماية الطفل لتكفل حماية الفتيات والأطفال، إذ نصّت على:

«حماية الطفل من كل أشكال الإيذاء والإهمال ومظاهرهما التي قد يتعرض لها في البيئة المحيطة به (المنزل أو المدرسة أو الحي أو الأماكن العامة أو دور الرعاية والتربية أو الأسرة البديلة أو المؤسسات الحكومية والأهلية أو ما في حكمها)…».

كما تضمّن نظام الحماية من الإيذاء أحكامًا تهدف إلى معالجة الظواهر السلوكية في المجتمع التي تُنذر بوجود بيئة مناسبة لحدوث حالات إيذاء، وأوجب على كل من اطّلع على حالة إيذاء الإبلاغ عنها فورًا. وفيما يتعلق بالاعتداء الجنسي والتحرش بجميع أشكاله، فهو مجرَّم بموجب أحكام الشريعة الإسلامية وأنظمة المملكة، ومنها نظام الحماية من الإيذاء. ويجري العمل حاليًا على إعداد مشروع نظام مكافحة التحرش لتعزيز الإطار القانوني للحماية من هذه الانتهاكات.

وضمن اهتمامها بصحة الفتيات، أطلقت المملكة برنامجًا ضخمًا لتحصين الفتيات من سن 9 إلى 13 عامًا بلقاح الفيروس الحليمي البشري (HPV) للوقاية من سرطان عنق الرحم، الذي يُعد أحد أشرس أنواع الأورام التي تصيب السيدات.

كما أكّد نظام الأحوال الشخصية الجديد أنه:«يُمنع توثيق عقد الزواج لمن هو دون 18 عامًا، وللمحكمة أن تأذن بزواج من هو دون ذلك، ذكرًا كان أو أنثى، إذا كان بالغًا بعد التحقق من مصلحته في هذا الزواج».

وتُسهم فتيات المملكة في العديد من المناسبات المجتمعية والتطوعية، ولديهن مشاركات مميزة، من بينها ما قامت به جمعية الكشافة العربية السعودية من تمكين (355) فتاة سعودية من فتيات الكشافة للمشاركة في خدمة ضيوف الرحمن بالتعاون مع أمن الحرم المكي، ضمن أعمال معسكرات الخدمة العامة التي تنظمها الجمعية في مكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة.

سعودية تخاطب الأمم المتحدة

“أنا خير دليل على أن الدعم يُمكّن النساء من تحقيق أحلامهن”، بهذه الكلمات الملهمة، وقفت الشابة السعودية جنى سليمان الريفي أمام الحاضرين في قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، لتؤكد على قوة الإرادة وأهمية الدعم في تمكين المرأة.

في مارس 2025م، كانت جنى الريفي، طالبة الهندسة الكهربائية والباحثة والمبتكرة، من بين المتحدثات في الجلسة الافتتاحية للجنة وضع المرأة في دورتها التاسعة والستين بمقر الأمم المتحدة في نيويورك.

ألقت جنى الريفي كلمة سلّطت خلالها الضوء على أهمية دعم النساء في مجالات الحياة المختلفة، وخاصة العلوم والتكنولوجيا، حيث قالت:

“أقف أمامكم شاهدةً على دعم أسرتي وبلدي وأصحاب المصلحة من حول العالم الذين عملوا جاهدين لدعم شاباتٍ مثلي”.

وعقب الجلسة الافتتاحية للجنة وضع المرأة، تحدثت جنى مع أخبار الأمم المتحدة، مشيرةً إلى أنها حصدت العديد من الجوائز والميداليات الذهبية في مشاركاتها المحلية والدولية، مؤكدةً أن الدعم الذي تلقته من أسرتها ووطنها كان له دورٌ حاسم في تحقيق طموحاتها.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *