كم مرة سولت لك نفسك أن تكتب ذكرياتك أو يومياتك أو حتى هواجسك؟
وكم مرة تراجعت خوفًا أو كسلًا؟
هل تخشى تقييم الناس حين تكتب؟ أم يزعجك تصنيفهم لكتاباتك بناءً على شخصيتك أو انتمائك؟
غالبًا ما تتباين ردود أفعال الناس تجاه الفكرة ذاتها، لا لاختلاف مضمونها، بل لاختلاف صاحبها. فالكلمة لا تُستقبل دائمًا بصفائها، بل تُقرأ من خلال مرآة القارئ وأحكامه المسبقة.
الروائي الإنجليزي غراهام غرين وصف الكتابة بأنها أقرب إلى العلاج النفسي، متعجبًا من أولئك الذين لا يكتبون ولا يقرأون ولا يرسمون ولا يتذوقون الفنون، كيف استطاعوا الإفلات من الجنون والكآبة والخوف المتأصل في الوجود الإنساني؟
أما أسوأ ما قرأت عن الكتابة فكان ما ورد في كتاب «الإصابة في منع النساء من الكتابة» للعلامة النعمان الألوسي، إذ يقول فيه:
«أما تعليم النساء القراءة والكتابة، فأعوذ بالله! إذ لا أرى شيئًا أضرّ منهن بهنّ، مثل النساء والكتب والكتابة كمثل شريرٍ سفيهٍ تهدي إليه سيفًا».
تلك العبارة تلخص نظرة كانت سائدة زمنًا طويلًا، ترى في المعرفة خطرًا على المرأة لا قوةً لها. لكن الكاتبات في كل العصور أثبتن أن القلم ليس تهديدًا، بل نورًا يبدد العتمة ويكتب الوجود من زاوية أخرى.
وفي عام 1985، أجرت صحيفة ليبراسيون الفرنسية استفتاءً مع أربعمئة أديب من أنحاء العالم، سألتهم فيه: لماذا نكتب؟
فجاءت الإجابات في اتجاهين:
كُتّاب يكتبون دون وعي بالسبب، يتعاملون مع الكتابة كلعبة.
وآخرون يرون فيها رسالة ومسؤولية ووسيلة لفهم الحياة.
أما الكاتب البولندي إسحق باشيفيس سنغر (الحاصل على جائزة نوبل للآداب)، فقال بعبارة خالدة:
«عندما كنت طفلًا، كانوا يدعونني بالكاذب… لكن بعد أن كبرت، أصبحوا يدعونني بالكاتب».
أما أنا، فأكتب لأحوّل الثرثرة إلى مقالات منمقة، ولأجعل من اللغة وسيلتي لإيصال صوتي إلى أبعد مدى ممكن.
أكتب لأضيف شيئًا جميلًا للعالم، لأزرع أثرًا في القلوب قبل الصفحات.
أكتب لأنني أؤمن أن القوة الناعمة أخطر وأعمق أثرًا من ضجيج طائرات الحرب، وأن الإعلام أداة حادة إذا ما أُحسن استخدامها بذكاء.
ومن هذا الإيمان، وُلد كتابي «مسرّات عظيمة»، ليكون احتفاءً بالبهجة كقيمة إنسانية عميقة، ومثالًا على أن الكتابة ليست مجرد حروف، بل فعل نورٍ ومقاومةٍ ناعمة ضد العتمة.
وأنتَ، عزيزي القارئ… لماذا تكتب؟
raedaalsaba@gmail.com