في السياسة، جزء أصيل من مهمة الصحافة تغطية الأحداث في سياقها الزمني ودلالتها التاريخية وتكريس الوعي العالمي بالحقائق. وفي منطقتنا العربية، حيث تتوالى جرائم الكيان الإسرائيلي بشكل ممنهج منذ أكثر من 77 عامًا هو عمر الاحتلال اليهودي للأراضي العربية في فلسطين، تتضاعف مهمة الصحافيين والمؤسسات الإعلامية في رصد وتحليل وكشف الفظائع الشنيعة للصهاينة.
حين غطت وسائل الإعلام السعودية أحداث القمة العربية والاسلامية الطارئة في الدوحة الشهر الماضي، وضعت العدوان الإسرائيلي على قطر في سياقه الصحيح، باعتباره استمرارًا لنهج ثابت منذ نشأة إسرائيل عام 1948. ففي ذلك العام اغتالت العصابات الصهيونية الكونت فولك برنادوت، أول وسيط سلام للأمم المتحدة، لمجرد أنه اقترح خطة لإعادة اللاجئين الفلسطينيين ووضع القدس تحت إشراف دولي. الاغتيال كان بمثابة رسالة للعالم: لا مكان لأي صوت دولي يطالب بسلام عادل أو يعترف بحقوق الفلسطينيين. والأدهى أن منفذي الجريمة من منظمة «ليحي» المتطرفة، كإسحاق شامير، أصبحوا لاحقًا قادة لدولة إسرائيل نفسها.
إن استهداف برنادوت لم يكن استثناءً، بل بداية نمط متكرر: كل محاولة لإيقاف الحرب أو تحقيق العدالة تُقابَل بالتشويه أو القتل أو العدوان. واليوم، حين بذلت قطر جهود دبلوماسية كبرى لاستضافة مفاوضات وقف الحرب في غزة، تواجه هي نفسها هجمات إسرائيلية إعلامية ودبلوماسية. إن الرسالة التي وُجهت للأمم المتحدة قبل 77 عامًا هي ذاتها التي تُم توجّيهها الآن: كل وسيط يسعى للسلام يصبح هدفًا.
وهذا ما يفرض على الصحافة العربية مسؤولية مضاعفة، ليس فقط في التغطية، بل في صناعة الوعي التاريخي لدى الأجيال الجديدة، وتذكير المجتمع الدولي بأن هذا السلوك العدواني الإسرائيلي لم يكن طارئًا أو رد فعل ظرفي، بل سياسة مؤسسية تقوم على القتل والتشويه وعرقلة أي مبادرة سلام. ومن هنا تأتي أهمية استدعاء الأمثلة التاريخية وربطها بالواقع الراهن، لإبراز خط الاستمرارية في همجية سلوك الدولة الاسرائيلية التي يتبجح رئيس وزرائها في كل محفل بوصفها أمة متحضرة تنتمي للعالم تنتمي للعالم المتحضر.
ورأيي أن على عاتق الصحافة العربية واجبًا مضاعفًا: أن تكون يقظة دائمًا، وأن توظف أرشيف الذاكرة التاريخية في خدمة الحاضر، لتفضح زيف الدعاية الإسرائيلية، وتُبرز أن كل عدوان جديد ليس سوى حلقة في سلسلة ممتدة منذ اغتيال برنادوت حتى استهداف اليوم. إن توثيق هذا الامتداد التاريخي لا يصنع وعيًا فقط، بل يبني حصانة فكرية في وجه محاولات التزييف، ويجعل من الصحافة سلاحًا في معركة الحقيقة.
waleedalahmmed@yahoo.co.uk