النفاق.. داء قديم متجدد

النفاق من أخطر الأدْوَاء الاجتماعية والفكرية التي عرفها الإنسان عبر التاريخ، فهو ليس ظاهرة عابرة ارتبطت بشخص أو مرحلة زمنية، بل سلوك متكرر يتجدد في كل عصر، ويتلون بأشكال مختلفة تبعًا لتغير البيئات والمجتمعات.
فهل انتهى النفاق بموت رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول؟
الجواب: لا. لأن النفاق ليس شخصًا يموت بموته، بل فكر وثقافة وسلوك يتناسل في كل زمن ومكان. فإذا كان المجتمع النبوي، على طهره ونقائه، لم يخلُ من وجود المنافقين رغم نزول الوحي ووجود النبي -صلى الله عليه وسلم- بينهم، فكيف بغيره من المجتمعات؟
النفاق لا يقتصر على الكفر المستتر أو التآمر على الإسلام، بل قد يتجلى في سلوكيات بسيطة يظنها الناس هينة، بينما هي في ميزان الشرع عظيمة.
ففي شأن الصلاة قال -صلى الله عليه وسلم- : «تلك صلاة المنافق، يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقرها أربعًا لا يذكر الله فيها إلا قليلًا»، وقال تعالى: «وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى» -النساء-.
وفي الأخلاق، قال -صلى الله عليه وسلم- : «آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان».
بل بلغ النفاق في بعضهم أن يفرحوا بمصاب المسلمين، كما قال تعالى في وصفهم: «إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا» -آل عمران-.
وهكذا قد يتسلل النفاق إلى القلب من باب الكذب، أو إخلاف الوعد، أو التهاون بالصلاة، حتى يصبح عادة وسلوكًا يوميًا.
لقد كان السلف الصالح يخافون هذا الداء خوفًا شديدًا، فقد قال أحد التابعين: «أدركت ثلاثين صحابيًا كلهم يخاف النفاق على نفسه». بل إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل حذيفة بن اليمان قائلًا: «ناشدتك الله، هل سماني لك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المنافقين؟»، فإذا كان هذا حال عمر، فكيف بنا نحن وقد اطمأنّ كلٌّ منا إلى نفسه، ووزّع صكوك البراءة مجانًا؟
إن أخطر أشكال النفاق أن نراه في غيرنا ونعفي أنفسنا منه. فالنفاق لا يطرق الباب ليستأذن، بل يتسلل خفية عبر الكذب والرياء والكبر، ولا نجاة منه إلا بالمراقبة والمحاسبة والخوف من الله.
اللهم إنا نعوذ بك من النفاق كبيره وصغيره، ما علمنا منه وما لم نعلم.
قفلة: قال أبو البندري غفر الله له:
النفاق لا يطلب إذنك للدخول.. يكفي أن تترك الباب مفتوحًا بالكذب.
alomary2008@gmail.com