الاقتصاد السلوكي وإنفاق الأسرة

في خضم التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها المملكة العربية السعودية، يبرز الاقتصاد السلوكي كأداة تحليلية هامة لفهم أنماط الإنفاق الاستهلاكي لدى الأفراد والأسر. يعتمد هذا الفرع من الاقتصاد على الربط بين السلوك الإنساني والقرارات الاقتصادية، بعيدًا عن الافتراض التقليدي بأن المستهلك دائمًا يتصرف بعقلانية.
وفقًا لبيانات الهيئة العامة للإحصاء لعام 2023، بلغ متوسط إنفاق الأسرة السعودية الشهري نحو 14,238 ريالًا، يُنفق نحو 28% منها على السلع والخدمات الشخصية، بينما لا تتجاوز نسبة الادخار 3-5%، وهي نسبة متدنية مقارنة بدول «OECD» التي تتراوح فيها نسب الادخار بين 10-20%. ويرتبط هذا النمط بالاستهلاك المدفوع بالعادات الاجتماعية.
من جهة أخرى، تُظهر الإعلانات التجارية المدفوعة بالعاطفة، والتخفيضات النفسية «مثل 9.99 بدل 10»، دورًا مؤثرًا في تحفيز قرارات الشراء. هذه الممارسات تُدرس حاليًا ضمن برامج توعية أطلقتها جهات حكومية مثل البنك المركزي السعودي و»فنتك السعودية»، بالإضافة إلى الجهود التثقيفية من هيئة السوق المالية، كما أطلقت وزارة المالية مبادرات مثل «برنامج تطوير القطاع المالي»لرفع الشمول المالي وتعزيز استخدام الأدوات البنكية والرقمية، إلا أنهناك دراسات محلية و دولية تشير إلى وجود فجوة ملحوظة في التخطيط المالي لدى نسبة كبيرة من الأفراد في السعودية، تتجاوز 50% في بعض التقديرات.في هذا السياق، تتضح أهمية إدخال برامج للتثقيف المالي في مراحل التعليم المختلفة، وتعزيز مفاهيم مثل «الميزانية الشخصية» و»الادخار لأهداف طويلة المدى». فمع توجه المملكة نحو اقتصاد أكثر تنوعًا، تصبح قرارات الأفراد المالية عنصراً أساسياً في تحقيق الاستدامة الاقتصادية.
التحوّل من اقتصاد استهلاكي إلى سلوك مالي واعٍ لا يتطلب تغيير السياسات فقط، بل تغييرًا ثقافيًا وسلوكيًا. وهنا يكمن دور الاقتصاد السلوكي في معالجة فجوة الوعي المالي، وبناء جيل يتخذ قرارات اقتصادية رشيدة ضمن بيئة استهلاكية نشطة.
haa2ana@hotmail.com

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *