أصبح مفهوم الاستدامة اليوم حديث العالم بلا منازع، ليس لأنه مجرد شعار بيئي جميل أو موضة عابرة، بل لأنه الطريق الوحيد لضمان بقاء مواردنا الطبيعية للأجيال القادمة، فالاستدامة ببساطة هي منهج حياة متكامل يعني أن نستهلك ما نحتاجه دون إسراف أو تبذير، وأن نُحسن التفكير في أثر أفعالنا وقراراتنا اليومية على مستقبل الغد. إنها رؤية مسؤولة توازن بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية والحفاظ على البيئة.
قد يظن البعض أن الاستدامة هي حِكر على المشاريع الكبرى التي تتطلب ميزانيات ضخمة واستثمارات حكومية، لكن الحقيقة أنها تبدأ وتترسخ من تفاصيل حياتنا اليومية البسيطة، حين نغلق صنبور الماء أثناء غسل الأسنان، أو نعتمد على الإضاءة الطبيعية نهارًا، أو نستبدل الأكياس البلاستيكية سريعة التلف بأخرى قماشية أو قابلة لإعادة الاستخدام، فإننا نمارس جوهر الاستدامة الحقيقي، الاستدامة هي اختيارنا لوسيلة نقل صديقة للبيئة، وهي فرزنا للنفايات لإعادة تدويرها، وهي وعينا بأهمية تقليل البصمة الكربونية لأفعالنا.
المملكة العربية السعودية بدورها تسعى بخطوات واضحة وطموحة عبر مبادرات وطنية ضخمة مثل «السعودية الخضراء» ورفع الاعتماد على الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، والعمل على تشجير مساحات شاسعة، ضمن رؤيتها الطموحة 2030. هذه الجهود هي أساس البنية التحتية لحياة مستدامة، لكن نجاح هذه الجهود الكبير يعتمد بشكل أساسي على وعي الأفراد والمجتمعات وتفاعلهم الإيجابي، فالحكومات تضع الخطط وترسم الأهداف، لكن المجتمع هو الذي يترجمها إلى سلوك يومي مستدام وممارسات راسخة.
إن أجمل ما في فلسفة الاستدامة أنها لا تحرمنا من رفاهية الحياة أو تفرض علينا التقشف، بل على العكس، هي تعلمّنا كيف نعيش هذه الرفاهية بوعي وذكاء اقتصادي وبيئي، هي دعوة لإعادة تقييم أولوياتنا والتوجه نحو الاقتصاد الدائري. فالأرض بما تحمله من موارد ليست ملكًا لجيل واحد بعينه، بل هي أمانة عظيمة يتشاركها الجميع عبر العصور، وكل خطوة صغيرة نقوم بها اليوم بمسؤولية، قد تعني غدًا أكثر أمانًا وازدهارًا لأبنائنا وأحفادنا.
لنتحمل جميعًا مسؤوليتنا، لنحفظ الأرض، لنحفظ أنفسنا ومستقبل أجيالنا، ولنجعل من الاستدامة أسلوب حياة دائم، لا مناسبة نحتفل بها ثم ننساها، فحين ندرك أن حماية الكوكب هي حماية لذواتنا، نصبح شركاء حقيقيين في صناعة الغد الأكثر اشراقا، يليق بجمال وطننا.
تترسخ من تفاصيل حياتنا اليومية البسيطة، حين نغلق صنبور الماء أثناء غسل الأسنان، أو نعتمد على الإضاءة الطبيعية نهارا
majed.theeb@hotmail.com